الثلاثاء, 16 يوليو 2024

قصة الذهب الأسود .. يأس بريطاني وأمل أمريكي وإصرار سعودي

FacebookTwitterWhatsAppTelegram

تعود أحداث اكتشاف النفط في المملكة العربية السعودية لعام 1921 عندما كان الملك عبدالعزيز يبحث عن مورد اقتصادي جديد يساعده في تطوير الدولة.وفي ذلك الحين طلب الملك عبد العزيز من طبيبه البريطاني أليكس مان مهمة البحث عن شركة للتنقيب عن النفط في الأحساء. وانتهى الأمر بإعطاء الإنجليز ممثلين بشركة النقابة الشرقية العامة امتياز التنقيب عن النفط. شرعت الشركة في أعمال التنقيب عن النفط ودفعت إيجار السنة الأولى حسب ما نص عليه الامتياز، إلا أنها لم تجد النفط، ثم دفعت إيجار السنة الثانية إلا أنه لم تظهر نتائج تذكر، فأصبحت الشركة تعاني الافتقار للأموال اللازمة للاستمرار في التنقيب؛ مما جعلها تتخلى عن دفع الإيجارات، فلم يكن أمام الملك عبدالعزيز خيار إلا أن يلغي ذلك الامتياز عام 1928.

التدهور الاقتصادي يجتاح المنطقة
بعد مرور عام على إلغاء الامتياز السابق وتحديداً عام 1929 بدأت بلادنا تعاني حالة اقتصادية سيئة نتيجة قلة الموارد التي تعود أسبابها إلى عدة أمور لعل أبرزها: الأزمة الاقتصادية العالمية “الكساد الكبير” التي اجتاحت العالم آنذاك مما أدى إلى قلة عدد الحجاج. في تلك الأثناء كان رجل الأعمال الأمريكي تشارلز كرين يرسل عدة برقيات للملك عبدالعزيز في محاولة لمقابلته، فوافق الملك عبدالعزيز وحدث اللقاء بين الشخصيتين عام 1931 وأسفر عن إرسال خبير يبحث في موارد المملكة وهو كارل تويتشل الذي قام بجولة تقارب 18 شهرا كتب بعدها تقريرا كان مما ورد فيه إمكانية وجود النفط في التكوينات الجيولوجية في منطقة الظهران.

اقرأ المزيد

عزز هذا التقرير اكتشاف النفط بكميات تجارية في جبل الدخان بالبحرين عام 1932 فالمنطقتان متقاربتان من حيث الطبقات الجيولوجية، كل ذلك أعاد الأمل وشجع الملك عبدالعزيز على البحث عن مستثمرين يتولون مهمة البحث عن النفط واستخراجه فكان أن آلت الأمور إلى توقيع الملك عبدالعزيز امتياز النفط الثاني مع شركة أمريكية وهي شركة (ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا) عام 1933. بعد الحصول على امتياز التنقيب عن النفط شكلت شركة سوكال فريقا يتكون من 13 جيولوجيا أمريكيا، وكان من مهامهم دراسة المنطقة الشرقية وطبيعتها الجغرافية.

كبير جيولوجيي قبة الدمام .. ماكس ستنكي
لا تمر قصة اكتشاف النفط في السعودية مرور الكرام دون ذكر أسطورة الجيولوجيين “ماكس ستنكي”، فقد الأمريكان الأمل في وجود نفط في المملكة وذلك بعد خمس سنوات من التنقيب المستمر ولم تعد تتحمل شركة سوكال تكاليف عمليات التنقيب خصوصا في تلك الفترة تحت ظل تسجيل سوق الأسهم الأمريكية أدنى مستوياتها بشكل يومي، حتى وصل الأمر بإرسال برقية تحث بالعودة إلى الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن ستنكي وقف بوجه هذا الأمر وطلب مهلة وكان على يقين تام بوجود نفط في المملكة ولم يستجب إلى هذه الأوامر وواصل أبحاثه في حقل الدمام.

الرجل الذي لا يتوه.. خميس بن رمثان العجمي
لم يكن في تلك الأيام وجود أجهزة GPS أو حتى خرائط، ووجد الجيولوجيون الأمريكان صعوبة في معرفة الطرق خصوصا في الربع الخالي كونها منطقة كثبان رملية لا يوجد فيها معالم. استعانوا بخميس بن رمثان كبوصلة لهم ولولا وجود بن رمثان لم يكن أن يكتشف حقل الدمام ولم تكن لتتمكن شركة سوكال من مواصلة أعمالها، ووصفه الجيولوجي توم بارجر: “في الصحراء لا يتوه خميس أبدا، لأنه، بالإضافة إلى حاسته السادسة، وهي نوع من البوصلة الدفينة التي لا تخطئ، كان لديه ذاكرة مدهشة تمكنه من تذكر دغلة كان قد مر بها وهو شاب، أو اتجاه موقع بئر، سمع عنه قبل عشر سنوات”.
حقل الدمام لم يخرج سوى خيبة الأمل
بحكم قرب مملكة البحرين من السعودية وتشابه الطبيعة الجغرافية أخذت كنموذج عمل، بدأ العمل في حقل الدمام عام 1935م على مساحة 140 ألف كيلو متر مربع، تم حفر البئر الأولى ولم يخرج منها شيء، البئر الثانية حفرت عام 1936 وتدفق منها النفط بمعدل 335 برميلا إلا أن كمية الماء كانت أكبر من كمية النفط، البئر الثالثة أنتجت 100 برميل إلا أنه يحتوى على 15% ماء، البئر الرابعة والخامسة خيبت الأمل، البئر السادسة أنتجت كميات قليلة من الزيت مخلوطة مع الماء إلا أنه بدأ القلق وخيبة الأمل تدب في الفريق.

بئر الخير
في صيف 1936 بدأ الحفر في البئر رقم 7 وقد واجه فريق الحفر الكثير من المشاكل منذ بداية الحفر، تم استدعاء فريد دافيس وماكس ستينكي إلى سان فرانسيسكو للاجتماع مع مجلس إدارة الشركة للبت في موضوع الانسحاب من السعودية بعد ارتفاع تكاليف التنقيب عن النفط والنتائج المخيبة للتنقيب، وكان سوق الأسهم يسجل مستويات دنيا بشكل يومي تقريباً، في يوم 3 مارس 1938 اليوم الذي اجتمع فيه مجلس الإدارة لاتخاذ قرار بشأن الانسحاب من السعودية وصلت برقية إليهم تخبرهم أن البئر رقم 7 انفجرت بالبترول وأن الإنتاج يصل إلى 1600 برميل يومياً وبعدها بعدة أيام وصل الإنتاج إلى 4000 برميل يوميا. استمرت البئر في الإنتاج لمدة الـ 44 سنة التالية حتى الغلق بالأسمنت عام 1982 بعد أن أنتج 32.5 مليون برميل.

أول حمولة ناقلة بترول
أول صفقة نفطية ونقطة تحول في تاريخ أرامكو في الأول من مايو من عام 1939 كان الملك عبد العزيز يقف على متن الناقلة “دي جي سكوفيلد” في حفل تدشين أول شحنة نفط خام تصدرها المملكة العربية السعودية من رأس تنورة. تزامن هذا مع اكتمال خط الأنابيب الذي امتد من حقل الدمام إلى ميناء رأس تنورة بطول 69 كيلومتراً حيث رست ناقلة النفط التي أدار الملك عبد العزيز صمام النفط إيذانا ببدء تصدير الزيت السعودي الخام وتحميل أول شحنة منه إلى العالم. وبعد اكتشاف النفط تم تغيير اسم الشركة من ” كاليفورنيا-أريبيان ستاندارد أويل كومباني” إلى “أريبيان أميريكان أويل كومباني. أرامكو” وذلك عام 1944.

حقل بقيق
واصل ستنكي أبحاثه في المملكة ليكتشف في عام 1940 حقل بقيق الضخم الذي يضم أكبر مرافق معالجة الزيت في السعودية، إضافة لأكبر معمل لتركيز الزيت في العالم. كما تزيد طاقة الحقل الإنتاجية على 7 ملايين برميل من الزيت يوميًا. ويتم في معامل بقيق معالجة 70% من إنتاج أرامكو، والذي يمثل 6% من إجمالي الاستهلاك اليومي العالمي للطاقة النفطية. كما يقدر إجمالي الاحتياطيات المؤكدة في حقل نفط بقيق بنحو 22.5 مليار برميل.

أكبر حقل نفطي في العالم
تم اكتشاف حقل الغوار على يد الجيولوجي ستنكي عام 1948، يمتد الحقل النفطي من مدينة الأحساء شرق السعودية وحتى قرب الخرج (جنوب شرق العاصمة)، على مساحة 256 كلم، في أكبر حقل نفط في العالم، من حيث المساحة وكمية الإنتاج والاحتياطي النفطي، ويبلغ إنتاجه 5 ملايين برميل يومياً. وأنتج منه أول شحنة نفط في عام 1951، وتعد سنة 2005 ذروة إنتاجه، ولا يزال هو الحقل الأكبر في العالم. وقد أثبتت الدراسات الجيولوجية والنفطية أن طية البئر العملاقة تتكون من 7 تراكيب بنائية، وأن ما تم اكتشافه من نفط في هذه الحقول، إنما هو حقل واحد متطاول في مصيدة بنائية تركيبية، تمثل طية عملاقة تمتد من الجنوب نحو الشمال.

التابلاين
يعد خط أنابيب “التابلاين” واحدا من خطوط نقل النفط الهامة في تاريخ المملكة، فالخط لعب دورًا مهمًا في جهود إعادة الإعمار التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، واعتبر مأثرة تاريخية في مجال الهندسة أدخل الطاقة إلى أوروبا في أعقاب الحرب، كما أسهم في تنمية شمال المملكة العربية السعودية. يمتد بطول 1,648 كيلومترًا لربط حقول النفط في شرق المملكة العربية السعودية بالبحر الأبيض المتوسط، حيث بدأ في عام 1947 بناء الخط بمشاركة 16,110 عاملين قاموا ببنائه. وبدأ تشغيل الخط في عام 1950 كأكبر شبكة لأنابيب النفط في العالم، فقد كان ينقل مليارات البراميل من النفط الخام من بقيق على الخليج العربي إلى ميناء صيدا على البحر الأبيض المتوسط في لبنان، ليجسد لحظة محورية في تاريخ المملكة. حقق التابلاين النجاح؛ ففي عام 1950، تم إنتاج 200 مليون برميل من النفط. وفي عام 1951، الذي يوافق أول عام لتشغيل خط الأنابيب بالكامل، ارتفع إنتاج المملكة إلى 278 مليون برميل، وقد كان أكثر من ثلث الإنتاج يُضخ عبر خط التابلاين.

أكبر حقل مغمور في الماء
بدأت أعمال التنقيب عن حقل السفانية في عام 1939، بواسطة الجيوفيزيائي في شركة النفط العربية الأمريكية أرامكو دك كير، عندما كتب إلى جانبه وعلى خريطة المنطقة «منطقة مرتفعة محتملة في المياه المغمورة»، وكانت المنطقة المرتفعة فعلا تمثل مكمن زيت على عمق آلاف الأقدام في باطن الأرض. وفي الواقع، أصبحت هذه المنطقة لاحقا أكبر مكمن زيت يتم اكتشافه على الإطلاق في المنطقة المغمورة. يقع حقل السفانية في مياه الخليج العربي ويصل إنتاجه إلى أكثر من 1.2 مليون برميل في اليوم، وهو أكبر حقل نفطي مغمور تحت الماء في العالم، تصل مساحته إلى 50 كيلومترا طولا و 15 كيلومترا عرضا. تم اكتشاف الحقل في عام 1951. وكشفت أرامكو في تقرير مراجعتها السنوية للأعمال لعام 1954، عن قيامها بإنشاء المرافق لبدء الإنتاج من حقل السفانية في عام 1957. وبدأ الإنتاج من حقل السفانية حسب الجدول المقرر في منتصف أبريل 1957. وقد شكل الزيت في ذلك العام 22 في المائة من الاستهلاك الإجمالي للطاقة في أوروبا الغربية، أي ما يصل إلى أكثر من 2.5 مليون برميل في اليوم.

من أريبيان أميريكان أويل كومباني .. إلى أرامكو السعودية
بحلول عام 1950 كانت الحكومة السعودية قد تمكنت من الحصول على 50٪ من أرباح أرامكو ثم بدأت السيطرة تدريجياً على عمليات الشركة لتحصل على 25٪ منها عام 1973 والتي أصبحت 60٪ في العام الذي يليه. في عام 1980 امتلكت الحكومة السعودية شركة أرامكو بأكملها لتنشئ بعد ثمانية أعوام شركة الزيت العربية السعودية “أرامكو السعودية” رسمياً، لتكون شركة جديدة تتولى جميع مسؤوليات شركة أرامكو بقيادة علي بن إبراهيم النعيمي، الذي أصبح أول رئيس سعودي للشركة في عام 1984، ثم أول رئيس لأرامكو السعودية وكبير إدارييها التنفيذيين وذلك عام 1988.

كنز النفط .. شيبة
يعدّ حقل نفط الشيبة واحدًا من أهم حقول النفط والغاز في المملكة العربية السعودية. في عام 1998، بدأت شركة أرامكو السعودية تجني ثمار جهد سنوات طويلة قضتها في البحث والاستكشاف عن النفط في الربع الخالي، مع بدء الإنتاج من حقل نفط الشيبة. من الممكن أن يضخ حقل الشيبة مليونا وثلاثمائة ألف برميل يوميًا لمدة 70 عامًا. غير أن الحقل يمكن أن يضخ نصف حجم إنتاج أصغر منتج في منظمة أوبك. على غرار بعض الحقول الكبرى الأخرى التي تعاني سوء الإدارة وتواجه تراجعًا سريعًا لمعدلات الإنتاج من الآبار، يرمز حقل الشيبة حيث أثمرت الخبرة والعمل الجاد لفنيي أرامكو عن اكتشاف احتياطي مبدئي يبلغ 15.7 مليار برميل. الحقل ضخ مليون برميل من النفط في نهاية 2003 بينما أضافت الشركة احتياطيًا يقدر بمليوني برميل. في سنة 2007 وصفته صحيفة الغارديان بأنه “أقرب في قيمته إلى منجم الذهب منه إلى حقل النفط”، حيث يضخ يوميًا 1,000,000 برميل من النفط الخام عالي الجودة.

عملاق البترول يدرج في سوق الأسهم
في 17 نوفمبر 2019، طرحت شركة أرامكو جزءًا بلغ 1.5% من إجمالي أسهم الشركة للتداول العام، ومع انتهاء فترة الاكتتاب، أصبح اكتتاب أرامكو، أكبر طرح أولي عام في التاريخ، حيث جمع أكثر من 25.6 مليار دولار أمريكي، مُتجاوزًا الرقم القياسي المُسجّل في عام 2014 لمجموعة علي بابا الصينية البالغ حينها 25 مليار دولار.

ذات صلة

المزيد