الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بعد أن قدمنا الجزء الأول عن الاستدامة كأداة تقييم، ثم الجزء الثاني عن صندوق الاستثمار المُستَدَام، سنرى في هذا الجزء الثالث من سلسلة مقالاتنا حول الاستدامة، طبيعة العلاقة بين الاستدامة والحوكمة.
ففي الواقع، تَعنِي الحوكمة تطبيق الإدارة الرشيدة، وتُعتَبَر الاستدامة إحدى أهمِّ العوامل من حيث القدرة على الارتقاء بجودة الإدارة، ليس على مستوى تحقيق الأهداف الحالية بكل شفافية وجودة، بل أيضاً بغرض مراعاة المستقبل المتوسِّط والبعيد للدولة اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً.
فالاستدامة إذاً هي مرحلةٌ عليا من مراحل تطبيق الحوكمة، لأنَّها تضمن مستقبل الأجيال القادمة، وليس فقط الواقع الراهن.
لكن الاستدامة هي مصطلحٌ قائمٌ بذاتِهِ، وليس فرعٌ من فروع الحوكمة، وإن كانت قواعد الحوكمة تَضَعُ الاستدامة كمعيارٍ لمستوى جودة الإدارة.
وإذا أردنا أن نرى كيفية تعامل المُنظِّم السعودي مع الاستدامة، نجد أنَّ وزارة التجارة قد وضعت المعايير الوطنية للاستدامة حتى تُخَاطِبَ فيها الشركات الكبرى، وفق مشروعٍ خاصٍّ تطمح الوزارة لتطبيقه.
لكن مخاطبة الشركات الكبيرة لا يَعنِي أنَّ المُخَاطَب بالتزامات الاستدامة هم فقط شركات المساهمة، بل إنَّ المعيار الوطني العام رقم (1) للاستدامة طلب من الشركة تحديد شكلها القانوني، الأمر الذي يعني شمول معايير الاستدامة لجميع الشركات على مختلف أشكالها.
بالمقابل، فإنَّ المعيار الوطني العام رقم (7) والخاص بممارسة إعداد تقرير الاستدامة كان أكثر صراحةً عندما نصَّ على أن الشركة ملزمةٌ بتقديم المعلومات حول استخدام معايير الاستدامة، والإفصاح عن المعلومات المتعلقة بهذه المعيار في تقرير خاص.
بناءً عليه، فإنَّ الإفصاح عن تقرير الاستدامة هو جزء أساسيٌّ وملزمٌ من منظومة حوكمة الشركات في المملكة العربية السعودية.
أمَّا في الكويت، فقد صدر عام 2022 تعديلٌ خاصٌّ بالاستدامة في اللائحة التنفيذية الخاصَّة بقانون هيئة أسواق المال رقم 7/2010، وقد جاء في هذا التعديل تنظيمٌ خاصٌّ بالإفصاح عن تقرير الاستدامة ومُحتويَاتِهِ، لكن هذا التعديل لم يُلزِمْ جميع الشركات بالإفصاح عن تقرير الاستدامة حتى وإن كانت شركةً مساهمةً (مادة 1-16-1، كتاب 12، اللائحة)، أمَّا الإدارة التنفيذية في شركات المساهمة فتقوم بتضمين الاستدامة في عمليَّاتِهَا إن تطلَّب الأمر ذلك، في ظلِّ متابعة مجلس الإدارة (مادة 3-1، كتاب 15، اللائحة).
وبغضِّ النظر عن مستوى الإلزام الخاص بالاستدامة، فإنَّ امتزاج قواعد الحوكمة في معايير الاستدامة سيؤدِّي بشكلٍ تلقائيٍّ إلى زيادة أعباء مجلس إدارة شركات المساهمة.
فالشركات الصغيرة تستطيع مراعاة معايير الاستدامة بسهولةٍ لصغر حجم نشاطها وسهولة ضبطه، لذا فإنَّ التحدي الواقعي الأصعب بخصوص الاستدامة يَقَعُ على عاتق شركات المساهمة التي تقوم عادةً على تشغيل أكبر المصانع والمتاجر في الدولة، وتنشأ تبعاً لذلك تحدياتٍ خاصَّةٍ بالآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لنشاط هذه الشركات في المستقبل.
ثم إنَّ المسؤول عن إدارة شركة المساهمة هو مجلس إدارَتِهَا وهو المُخَاطَبُ الأبرز بقواعد الحوكمة؛ لذا فإنَّ هذا المجلس يكون في مُقدِّمَةِ الأشخاص المُثقَلِينَ بالتزامات الاستدامة كمعيارٍ للحوكمة.
وإذا أردنا تحديد نقاط الارتِبَاطِ بين الاستدامة كمعيارٍ للحوكمة، فإنَّ على مجلس إدارة الشركة القيام بما يلي:
وفي هذا الإطار، نُقدِّم المقترحات التالية بغرض تسهيل عملية تحويل الاستدامة إلى معيار لتطبيق الحوكمة وتقييم أداء مجلس الإدارة، وذلك كالتالي:
فعلى سبيل المثال، إذا كانت الشركة تملك مَصنَعَاً للمواد الغذائية، فيجب أن يُحدِّدَ نظامُهَا الأساسي معايير الاستدامة المطوبة منها؛ على اعتبار أنَّ الشركة هي جزءٌ من قطاعٍ استثماريٍّ غذائيٍّ له آثارٌ على الصحَّة.
فبدلاً من أن تلتَزِمَ مصانع الشركة بمعايير الحفاظ على البيئة من خلال توليد الكهرباء عبر الرياح مثلاً، يُصبِحُ لدى الشركة قطاع إنتاجي خاص بعنفات التوليد بالرياح أو عبر الألواح الشمسية بغرض إمداد السوق بها.
فعلى سبيل المثال، يمكن للشركات التي تُمارِسُ نشاط التسويق أن يكون لديها لجنةٌ لفحص المنتجات المُسَوَّقَةِ، ليس فقط للتأكُّد من صلاحيَّتِهَا ومراعاتِهَا للمواصفات القياسية، بل أيضاً للتأكُّد من عدم وجود أية مخاطرٍ بيئيةٍ من صناعَتِهَا، ثم مخاطبة المصانع حتى تَلتِزَم بمعايير الاستدامة، تحت طائلة عدم التسويق لمُنتجاتِهَا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال