الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
واجهت البطالة سلسلة من الإجراءات والحلول بُغية تخفيفها، ورغم ذلك كأنها استطاعت أن تكون مناعة ضد تلك الحلول، وأضحت مرضا مستعصيا ينتشر في الاقتصاد، ومع الوضع الاقتصادي التي تمر به المملكة بدأً من العجز في الميزانية، ورفع الدعم عن أسعار الطاقة وبعض الخدمات، إضافة لحالة عدم اليقين والتي تطرقت لها في مقال لي سابق، الي يمر بها لاقتصاد، أخذت البطالة وضعا أشبه بالتحدي، إذا بدأت بعض الشركات بتسريح بعض موظفيها من المواطنين، معلنة بذلك انضمامهم لقائمة العاطلين عن العمل، وزيادة معدل البطالة وقد تابعت وقرأت كغيري ما استند إليه أصحاب العمل في اتخاذهم لهذا القرار، وهي المادة 77 أنقلها لكم بنصها كما جاءت في نظام العمل وهي
المادة السابعة والسبعون :
ما لم يتضمن العقد تعويضا ً محددا مقابل إنهائه من أحد الطرفين لسبب غير مشروع, يستحق الطرف المتضرر من إنهاء العقد تعويضا على النحو الآتي:
1 – أجر خمسة عشر يوما عن كل سنة من سنوات خدمة العامل، إذا كان العقد غير محدد المدة.
2 – أجر المدة الباقية من العقد إذا كان العقد محدد المدة.
3 – يجب ألا يقل التعويض المشار إليه في الفقرتين (1) و (2) من هذه المادة عن أجر العامل لمدة شهرين.
ولست في هذا المقال اتطرق عن أحقية صاحب العمل في قرار الفصل من عدمه، أو حجم الضرر الذي قد يلحق به أو بالموظف سواء كان ذلك في الإبقاء أو الفصل، مع تعاطفي مع الموظف كونه في الغالب الجانب الأضعف، فهذا موضوع آخر، له جهاته الرسمية، وأهله من أصحاب الأنظمة والقانون.
وما قرأته لبعض كتبنا الاقتصاديين في كتابات تلقي باللوم على أصحاب العمل، وإن كنت لست مدافعا عنهم، لكن ينبغي أن نكون عقلانيين ومنطقيين لطرحنا لقضايانا، وهذه العقلانية بالطبع ستطرح عديدا من التساؤلات والاستفسارات والتي قد تبين جانب الخلل وتفتح لنا بإذن الله أبوابا من الحلول.
حينما نتحدث عن صاحب العمل يجب أن تنتفي جميع الاعتبارات العاطفية التي في الغالب هي سبب ما نتخذه من قرارات واحكام خاطئة، فصاحب العمل أو المستثمر تحديدا لم يقم باستثماره إلا لسبب رئيسي وهو الربح، وهذا يتفق عليه لا أقول الأغلب بل الكل، يأتي بعد ذلك جوانب أخرى واهداف تختلف باختلاف نوايا وطبيعة المستثمرين، وحجم الأرباح التي يسعون إليها أو يحققونها، ومن ذلك نجد أن ولاء المستثمر لما اعتاد أن يفرك به اصبعيه السبابة والابهام وهو النقد، أي المال، فهو لا يسعى ويهدف كما يظن الكثير إلى الربح، بل إلى أقصى ربح يمكن الوصول إليه وبأقل التكاليف الممكنة، وهذا حق مشروع، ونتيجة لتلك الأرباح التي يحققها، يبني عليها قراراته الاستثمارية اللاحقة، كالتوسع وتوظيف المواطنين، خصوصا إذا وجدت أنظمة صارمة أو حوافز تساعد على توظيف أبناء البلد.
ولنأخذ فاصلا قصيرا وليتخيل كل منا أنه يقوم بدور المستثمر، واتسعت تجارته وزادت أرباحه، واستطاع توظيف بعض المواطنين لديه، ونتيجة لبعض الظروف الاقتصادية كما هو الحال لدينا انخفضت المبيعات، وهذا بلا شك سينعكس سلبا على الأرباح، في المقابل أصبحت التكاليف هي صاحبة القرار في المنشأة، نتيجة لانخفاض الأرباح، فما الذي يحدث، قطعا بلا شك سيضطر المستثمر لغلق بعض فروعه مثلا وبالتالي تقليل عدد الموظفين والعمال لديه، أو تقليل عدد الموظفين فقط، والسبب أن ذلك أسهل طريقة لخفض التكليف وبالتالي التقليل من انخفاض الأرباح بصورة كبيرة، ويعرف هذا من أخذ أو درس منهج الاقتصاد الجزئي والذي لا بد أن يحوي فصلا كاملا يناقش سلوك المنشآت وكيف تتعامل مع إنتاجها وتكاليفها في الأجلين والقصير والطويل.
وهنا نتسأل ماذا لو كانت المشاريع والتوريدات الحكومية تمثل نسبة كبيرة من إيرادات وأرباح صاحب العمل أو المستثمر طبعا سيؤدي ذلك النمو في الأرباح لاستقطاب بعض السعوديين للعمل لديه، لتحقيق نسب السعودة المطلوبة، هذا إن لم تكن الوظائف في حقيقتها سعودة وهمية، أملا في إرضاء وزارة العمل، والخروج من الإجراءات والأنظمة التي قد تؤثر على نشاطه وسير عمله مستقبلا، وفي حال تقلصت تلك المشاريع أو قلت التوريدات ستقل أرباحه، عندها سيلجأ لأيسر الحلول لتقليل تكاليفه وهو ورقة أو رسالة الاستغناء عن الخدمات تبدأ بالتحية، وتنتهي بالشكر ومع السلامة.
هنا يجب النظر إلى الخلل الذي وقعنا فيه، ويدفع فاتورة ذلك كلا من صاحب العمل والموظف وهو حجم المشاريع والأرباح الفلكية التي تحققها الشركات، مما جعلهم يقومون بتوظيف بعض الأفراد سواء كان توظيفا وهميا أو حقيقيا، وفي الحقيقة أن الحكومة هي من يدفع أجورهم ولكن بطريقة غير مباشرة.
حينما ننظر للقطاع الخاص وللبطالة نجد أن نمو الأول وانخفاض معدلات الآخر قائم على الإنفاق الحكومي، فمع زيادة إنفاق الدولة سواء من خلال المشاريع الحكومية أو زيادة الأجور تبدأ الوحدات الاقتصادية بالإنفاق وبالتالي يتحرك القطاع الخاص ويبدأ في توظيف أبناء البلد بعد إجباره من خلال الأنظمة والقوانين، وبمجرد أن يقل الإنفاق الحكومي، وتظهر بوادر انخفاض في الأرباح يبدأ صاحب العمل التفكير في الاستغناء عن الموظفين.
بينما في الدول الذي يعتبر القطاع الخاص المحرك الرئيس للاقتصاد نجد أن الحكومة ممثلة في البنك المركزي ومن خلال السياسات التي يتبعها يقوم بالتعامل مع الوضع الاقتصادي أشبه بما يقوم به محرك الدمى بالخيوط ، فعندما يلاحظ تباطؤ أو ضعف في النمو يتخذ سياسات توسعية فتبدأ الوحدات الاقتصادية بالتحرك والطلب فينشط القطاع الخاص وهذا يساعد على خلق الوظائف، والعكس يحدث في حالة اتخاذ سياسة انكماشية نتيجة للتضخم أو ارتفاع الأسعار فيبدا القطاع الخاص بالتراجع، وتزداد معدلات البطالة، وهذه الحركة الديناميكية لا تتطلب زيادة أو تقليصا كبيرا في الإنفاق .
إن فهمنا لمشكلة البطالة لدينا وأسباب حدوثها وتفاقمها، خصوصا أن نسبة كبيرة من إجمالي السكان لدينا في فئة الشباب، مما يخلق تحديا مستقبليا للاقتصاد في إيجاد وخلق آلاف الوظائف، يستوجب منا حلولا سريعة وفي مسارات عدة منها ما يتعلق بالشركات ذاتها وتصنيفها، وسبل دعمها والبعض الآخر يتعلق بسوق العمل وتنظيمه، ومن ذلك معرفة القطاعات المولدة للوظائف توليدا حقيقيا لا وهميا، والسعي في سعودتها بشكل كبير كما حدث في قرار وزارة العمل الأخير القاضي بسعودة أنشطة بيع وصيانة أجهزة الجوال، إضافة للكشف عن الأرباح الصافية التي تحققها الشركات والمؤسسات ونسبة تلك الأرباح المتحققة من المشاريع أو التوريدات الحكومية، وعن نسبة النفقات والمصاريف التي تتحملها الشركات في بند الأجور للمواطنين من الأرباح الصافية، خصوصا من أنشطتها التشغيلية باستثناء المشاريع التي تعاقدت فيها مع الحكومة، وهذا يقي من تحايل الشركات حيال قيامها بتسريح العمال بحجة تقليص النفقات خوفا من الخسائر، وهل فصل الموظفين له علاقة بالخسائر المتوقعة فعلا أم بانخفاض الأرباح الصافية فقط.
كما أن هناك عاملا مهما ومساعدا يتعلق بسوق العمل، وربما يقع عليه النصيب الأكبر في إنجاح خطط وأهداف وزارة العمل، وحافزا لدخول المواطن السوق وأن يكون للمواطن كيان مستقل له يمارس فيه نشاطه وهذا بلا شك سيخفف قدرا كبيرا من البطالة، وهو تحديد ساعات العمل خصوصا أقصى ساعة يسمح بالعمل بها ليلا، وهي من وجهة نظري الساعة التاسعة ليلا، فالمواطن ليس كالوافد الذي بإمكانه العمل حتى ساعة متأخرة لقلة المسؤوليات والالتزامات لديه.
ليست القضية في وجود ثغرة في مادة أو نظام، فهذه طبيعة العمل البشري الذي يكتنفه النقص والخلل، وليست القضية في استغلال تلك الثغرة، وكون المادة 77 تحمل ثغرة من عدمها، فصاحب العمل يحق له الاستغناء عن أي موظف كان، في حال ارتفعت نفقاته، مقارنة بإيراداته، أو احتمال أن يواجه عجزا في الوفاء بمرتبات العاملين لديه، طالما استطاع أن يخفي حقيقة ما تواجهه منشأته من انخفاض في نسبة الأرباح، وجعل من الخسائر زيفا مسوغا له لاتخاذ قرار الفصل من العمل.
إن على وزارة العمل أن تُعيد النظر في آلية السعودة وتطبيقها بدأ من أعلى السلم الوظيفي في المنشأة، وأن تنشئ مراكز للتدريب بالمشاركة مع القطاع الخاص، وفق ما يحتاجه، وتوقف الاستقدام، وأن يٌعيد النظر في المتطلبات الوظيفية التعجيزية، التي تفرضها الشركات في بعض وظائفها كشرط اللغة الإنجليزية، أو الخبرة في بعض الوظائف التي لا تتطلب مثل هذه الشروط، بل أن تٌجبر الشركات التي تتطلب مثل ذلك بتدريب المتقدمين سواء كان ذلك تدريبا داخليا أو من خلال مراكز تدريب متخصصة، وأن يعي القطاع الخاص أن الرعاية التي يحظى بها من الدولة يقابله جانبا آخر من الحزم، فلسنا في حاجة لقطاع خاص ينمو وينتفخ فقط على عقود حكومية، ويمارس فن الفصل بمجرد أن يزول ذلك الانتفاخ، وليخرج من اقتصادنا غير مأسوفا عليه.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال