الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في العشرين من أغسطس الجاري أصدرت الهيئة العامة للمنافسة بالمملكة بياناً مفصلاً حول الإجراءات القانونية التي اتخذتها بحق مجموعة قنوات بي ان سبورت والتي بدأت بحسب البيان منذ تلقي الهيئة شكاوى مواطنين ومشتركين في مارس 2016م على خلفية بطولة اليورو في ذلك العام، الأمر الذي اعتبرته الهيئة ممارسات مخلة بقواعد المنافسة العادلة في سوق بث ونقل البطولات الرياضية؛ يسلط هذا المقال الضوء على محورين أساسيين لمحاولة التعرف على الأبعاد القانونية للإجراءات التي اتخذتها الهيئة بحسب ما أدلت به في بيانها:
أولاً: ما معنى إساءة استغلال الوضع المهيمن؟
تسمى سيطرة المنشأة على نسبة عالية من السوق بـ (الهيمنة) وقد بينت المادة الثانية من نظام المنافسة مفهوم الهيمنة بأنه “وضع تكون من خلاله المنشأة أو مجموعة منشآت قادرة على التأثير في السعر السائد في السوق من خلال التحكم في نسبة معينة من العرض الكلي لسلعة أو خدمة معينة في الصناعة التي تمارس نشاطها فيها وتحدد اللائحة هذه النسبة طبقاً لمعايير تشمل تركيبة السوق ومدى سهولة دخول منشآت أخرى للسوق، وأي معايير أخرى يقررها المجلس”، كما نصت المادة الثامنة من اللائحة التنفيذية لنظام المنافسة على أن “الوضع المهيمن أو الهيمنة يتحقق عند بلوغ نسبة حصة المنشأة أو مجموعة منشآت في السوق 40% على الأقل من القيمة الإجمالية لمبيعات السلعة أو الخدمة طوال فترة (12) شهراً، أو تكون من خلاله المنشأة أو مجموعة منشآت قادرة على التأثير في السعر السائد في السوق”.
وتحتّم قوانين المنافسة عادةً على المهيمنين مسؤولية من نوع خاص بسبب ما تتمتع به المنشأة المهيمنة من قدرة فعلية على الإخلال بتوازن السوق بمفردها دون الحاجة لعقد اتفاقات مقيدة للتجارة، فإذا قامت المنشأة التي تهيمن على 40% من سوقٍ ما بالاشتراط على المتعاملين معها لقبول خدمة مختلفة نظير تقديم الخدمة التي اتجهت لها إرادات ورغبات المشتركين على سبيل المثال فإن تلك الممارسة ستحدّ ولا بد من خيارات الطرف المتضرر (المستهلك مثلاً) نظراً لقلة الخيارات في ظل سيطرة المنشأة في هذا المثال على حصة عالية من السوق؛ فضلاً عن سيطرتها التامة على 100% الأمر الذي اعتبرت معه الهيئة كما في بيانها أن ممارسات بي ان سبورت مخالفة صريحة للنظام.
ثانياً: ما الفرق بين مسار التدابير، ومسار العقوبات؟
ورد في بيان الهيئة كذلك اتخاذها التدابير بصفة عاجلة لإزالة الضرر المتحقق على المشتركين قبل بث البطولات الرياضية اللاحقة سيما الكبرى كبطولة كأس العالم لكرة القدم 2018م، وبالنظر في نظام المنافسة نجد أن المادة 16 فصلت في هذه التدابير، ويمكن إيراد أهم ثلاثة عناصر تتعلق بمفهوم التدابير في مجال تعزيز المنافسة في الأسواق على النحو التالي:
(١) أن التدابير تعد في الأصل أداة قانونية من أدوات الضبط الإداري الذي تمارسه جهة الإدارة لتحقيق مصلحة عامة، وتعود صلاحية اتخاذه إلى مجلس الإدارة، بخلاف العقوبة فهي من صلاحيات اللجنة المختصة بإيقاع العقوبات والتي أسماها النظام بـ”لجنة النظر والفصل في مخالفات نظام المنافسة”.
(٢) أن مسار التدابير منفصل بعض الشيء عن مسار العقوبات؛ إذ لا يخل اتخاذُ التدابير بإيقاع العقوبات المقررة في المادة 12 من النظام؛ وعادةً ما تتضمن قوانين المنافسة في كثير من الدول منح الأجهزة المعنية بمكافحة الاحتكار فيها بصلاحية اتخاذ التدابير اللازمة للإيقاف الفوري للممارسات الاحتكارية بغية التخفيف من آثارها، إذ لو طال أمد الممارسات الاحتكارية لربما ترتب عليه خروج منشآت متضررة من السوق دون القدرة على العودة إليه؛ الأمر الذي تقل معه نجاعة العقوبة في بعض الأحيان، وعلاوةً على ذلك فإن (التدابير) يمكن اتخاذها قبل إيقاع العقوبة أو أثناء نظر القضية في اللجنة المختصة أو بعد الفصل في القضية حيث لا يخل السير في أيٍ من الإجراءين بالآخر.
(٣) لمعرفة ماهية التدابير المقررة في النظام؛ فإن المادة 16 منحت مجلس إدارة الهيئة سلطة تكليف المنشأة المخلة بقواعد المنافسة بأيٍ مما يلي:
– تعديل أوضاعها وإزالة المخالفة خلال فترة زمنية حددتها اللائحة بـ 15 عشر يوماً.
– التصرف في بعض الأصول أو الأسهم أو حقوق الملكية، أو القيام بأي عمل آخر يكفل إزالة آثار المخالفة.
– دفع غرامة يومية لا تقل عن ألف ريال ولا تتجاوز عشرة آلاف ريال حتى إزالة المخالفة.
وبحسب بيان الهيئة فإنها قد فرضت الغرامة اليومية بحدها الأقصى على قنوات بي ان سبورت إلى حين إزالة المخالفة، وتختلف هذه الغرامة اليومية عن العقوبة المقررة في المادة 12 من النظام، والتي أصدرت اللجنة المختصة على ضوئها قرارها المتضمن إيقاع غرامة مالية قدرها عشرة ملايين ريال، وإلزام الشركة برد جميع المكاسب التي حققتها نتيجة المخالفة، وإلغاء الترخيص نهائياً بالمملكة.
أخيراً: يحظى سوق بث ونقل البطولات الرياضية باهتمام عالمي كبير وربما شغلت تفكيرَ الكثير من أجهزة المنافسة كيفيةُ تعزيز المنافسة وتشجيع خيارات المستهلكين في هذا القطاع نظراً لارتباط شرائح واسعة من المجتمعات على اختلاف أعراقها وعاداتها بالمشاهدات الرياضية وخصوصاً كرة القدم التي تتسع قاعدة محبيها ومتابعيها بدرجة كبيرة تستدعي عناية التشريعات والإنفاذ الفعال لأحكامها في سياق تعزيز المنافسة المشروعة ومكافحة الاحتكار ومنع إساءة الاستغلال الحصري لمتعة كرة القدم المحببة للكثيرين.
بنظري أن ما قدمته الهيئة العامة للمنافسة في المملكة يعد تطبيقاً عملياً رصيناً لنظام المنافسة ويؤكد الدور الحيوي لتشريعات المنافسة في هذا القطاع المثير للاهتمام.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال