الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كثير من أولياء الأمور يحملون المدرسة ظهور بعض الأفكار، والسلوكيات السلبية على أبنائهم، ويرون أنها ناتجة عن قصور في أداء المدرسة لأدوارها التربوية، والتعليمية؛ وبالمقابل فالكثير أيضا من المعلمين يرمون الكرة في فناء بعض الأسر، ويصفونها بالضعف، أو الإخفاق في تنشئة أبنائها؛ والبعض يأخذ من هنا، وهناك، ويحمل الطرفين المسؤولية كونهما شريكين في البناء، والهدم؛ وهذه الرؤى الثلاث لها وجاهتها، وكل فريق يدعمها بالكثير من الأدلة، والوقائع؛
ولكن علماء التربية يرون الأمر بمنظور مختلف نوعا ما؛ حيث يرون أن المنهج المدرسي يفرز إفرازات غير مخطط لها، وغير مقصودة في المنهج؛ وهي ما اصطلحوا على تسميته بــ(المنهج المستتر، أو الخفي، أو الضمني)؛ والذي يعني ” مجموع المظاهر السلوكية، والأنشطة الإيجابية، أو السلبية التي يتعلمها التلميذ في المدرسة، من خلال تفاعله مع أقرانه، ومستويات القيادة المختلفة داخل الفصل الدراسي، أو خارجه؛ دون بث، أو توجيه مباشر، وأهداف معلنة”.
إن المنهج الخفي معني بالكثير من النواتج التربوية، سواء كانت إيجابية مثل: اكتساب القيم الدينية، والأخلاقية، والاجتماعية؛ أو سلبية مثل الكذب، والتحايل، كره المعلم، أو المدرسة؛ كما يؤكد العديد من التربويين على أن تأثير المنهج الخفي قد يزيد عن تأثير المنهج الصريح؛ ومنهم على سبيل المثال عالم التربية جوردن إذ يقول: “بأن المنهج المستتر ذو فعالية وتأثير أقوى في تشكيل التلاميذ من المنهج الصريح، ذلك أنه يلعب دوراً في تربية التلاميذ دينياً، واجتماعياً، وسياسياً» وتكمن خطورة المنهج الخفي وسلبياته في إبراز الصراع لدى الطلاب بين ما يتضمنه المنهج الصريح، وما يتعلمونه في الحياة اليومية، وهو ما يشكل خبراتهم، ويبني شخصياتهم، فنجد مثلا: أن الطالب يتعلم أن السرقة حرام، ويعاقب فاعلها، ويجد أدواته تسرق ولا حسيب؛ ويدرس في المنهج الصريح تحريم التدخين، ومخاطره ويرى معلمه، أو والده يدخن؛ ويدرس تحريم الغش، ويجد زملاؤه يتفنون فيه؛ ويتعلم آداب الحوار، وفنونه، ويرى أن مدير المدرسة، ومعلمه لا يقبل إلا برأيه؛ ويقرأ تحريم الخلوة بين الرجل، والمرأة، ويجد في كتابه صورة تجمع بين صديق، وصديقته؛ وتدرس الطالبة لزوم الحجاب، والعفة، وتجد في محيطها السفور، والاختلاط… والأمثله حول هذا أكثر من أن تعد أو تحصى.
هنا يجب أن نؤكد أن المنهج الخفي حقيقة واقعة، ولا يمكن الفكاك منه؛ فهو يسير جنبا إلى جنب مع كل ما يدور داخل أروقة المدرسة، وما يتصل بخارجها، في صور تراكمية، غير محسوسة، ولا مقيسة، ولا تخضع للرقابة؛ ومتلقيها يتأثر بها، ويؤثر فيها؛ ومضمونها في غالبه سلبي، ويتدرج في درجات التأثير من البساطة إلى الحدة، والتطرف؛ أما جوانبه الإيجابية فقليلة، ولا تكاد تذكر، وهذا يعود في نظري إلى تهميش دور ميثاق مهنة التعليم، وضعف الشراكة المجتمعية مع المدرسة؛ أما الحلول فأرى أن تنمية إرادة الطالب، وتقوية مناعته، وبناء شخصيته، (أسريا ومدرسيا) يسهم في قدرته على تحليل، وتقييم ما يراه، ويسمعه؛ ليختار الصحيح منه؛ وليستطيع التأثير الإيجابي فيمن حوله؛ كما أن المتابعة، والإشراف داخل المدرسة عامل مهم جدا، فالسلوكيات السيئة تولد بعيدا عن العيون، وتنمو، وتتكاثر في الخفاء؛ كما أن على وزارة التربية والتعليم أن ترفع درجة الوعي للعاملين في المدراس حيال هذا المنهج، وتأثيره، وطرق تحجيمه قدر الإمكان.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال