الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ريتشارد ستون عالم اقتصادي شهير حصل في منتصف ثمانينات القرن الماضي على جائزة نوبل في الإقتصاد نظير مساهمته في استحداث قسم جديد للاقتصاد يسمى بالاقتصاد التطبيقي، والذي يستهدف من خلاله ربط النظرية الاقتصادية بالواقع الفعلي، فبات يُنظر إليه كفن أو أسلوب مستحدث في تناول القضايا الاقتصادية، وامتزاجها بالواقع الإنساني بكافة مناحيه الحياتية المختلفة ، وعلى الرأس منها بالطبع الإعلام باعتباره واحداً من أبرز المجالات تأثيراً وفاعليةً في حياة الناس.
فأضحي الاقتصاد، ومنذ ذلك الحين، رفيق كل العلوم والأنشطة البشرية، إذ يقوم البعد الاقتصادي للإعلام -أو الزاوية الاقتصادية لدراسة الإعلام- أساساً على دراسة إدارة وسائل الإعلام، بمعنى تحقيق أهداف هذه الوسائل في حيز النشاط الاقتصادي الذي يهدف إلى إرضاء الحاجات من ناحية، ومن الناحية الأخري يسعى لتحقيق الربحية، وهي غاية مهمة من غايات الإنتاج الإعلامي في شكله النهائي، والذي ينبغي أن يحقق فائدة بالمفهوم الاقتصادي الذي أصبح الإعلام في ضوء محدداته سلعة مثلها مثل أي سلعة أخرى تتوفر فيها شروط السلطة الاقتصادية كالمال والأيدي العاملة والمواد الخام والآلات والإدارة.
ونتيجة لهذا التزاوج بين الاقتصاد والإعلام ظهر ما يسمى اصطلاحاً باقتصاديات الإعلام، والذي يعرفه الخبراء بأنه فرع مهم من فروع الاقتصاد التطبيقي يضع عمليات الإنتاج الإعلامي وطرق توزيعه وطبيعة استهلاكه محل دراسة وبحث.
ويقصد بعملية الإنتاج هنا عملية تنظيم العمل في المحتوى الإعلامي، والتنسيق بين العناصر الفنية المشاركة في التنفيذ، ويدخل ضمن هذا المفهوم كل النفقات المادية والفنية والتقنية والبشرية.
أما عملية التوزيع فهي قدرة القائم بالإتصال في المحتوى الإعلامي على توصيل مادته الإعلامية للجمهور المستهدف.
وتعني عملية الإستهلاك مدى قبول الجمهور لمحتوى وسائل الإعلام وشكل الرسائل المقدمة. ومن هنا أضحت وسائل الإعلام –برأيي- مؤسسات اقتصادية يرتبط البعد الاقتصادي والإنتاجي فيها بالبعد الإعلامي الذي يستهدف مستهلكاً في الأساس، بحكم كون هذه المؤسسات الإعلامية كيانات اقتصادية تتحكم السلطة الاقتصادية في سلوكها وقراراتها وأنشطتها المختلفة.
ومن هذا المنطلق، لا يزيد محتوى أومضمون العملية الإعلامية الذي يتم نشره أو بثه أو إذاعته -في تصوري- عن كونه تسويقاً هادفاً للمعرفة، وهو المبدأ الرئيس الذي تتبناها كل وسائل الإعلام.
وهذا ما يتطلب -من وجهة نظري- جهداً كبيراً يختلف باختلاف طبيعة الوسائل، ولكي يقبل الجمهور محتوى ما تقدمه وسائل الإعلام عليها الكثير من العمل ليس فيما يختص بالمحتوى فحسب، إنما بالنسبة لشكل وقالب المادة أيضاً، وهذان هما قطبا المادة الإعلامية التي تتطلب منا فهماً واسعاً لأسس ومبادئ اقتصاديات الإعلام، والذي بات من ضمن أقوى البنيات الصناعية التي عرفها العالم.
ومصدر هذه القوة التي يستمدها الإعلام بكافة وسائله –برأيي- يكمن ليس فقط في تلك الأموال الهائلة التي تستثمر فيها، بل أيضاً في هذا التأثير الخطير الذي يلعبه على مستوى الأفراد والمجتمعات، فضلاً عن التطورات المتلاحقة والتقنيات المعقدة والتغيرات التكنولوجية والتشريعية والاندماجات والاستحواذات التي تشهدها اليوم المسارات المتنوعة لعولمة صناعة الإعلام والتي تخلق بدورها نوعاً من الهيمنة على كل تفاصيل السلطة الإقتصادية للإعلام، مما يزيد من فاعليتها وشدة تأثيرها على المحتوى الإعلامي الذي لم يسلم هو الآخر من تبعات تلك الهيمنة والسيطرة، بل وصل نطاق التأثير إلى حدود الحرية الإبداعية التي تمثل في المقام الأول صلب العمل الإعلامي مما يتطلب مزيداً من التحقيق والتدقيق …وهذا ما سنتعرف عليه في المقال القادم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال