الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في مكالمة هاتفية مع سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – يوم الثلاثاء 24 مارس 2020 – أكد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو على ضرورة الحفاظ على الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية. وركز على أنه لا بد من “طمأنة أسواق الطاقة والأسواق المالية العالمية” في ظل التباطؤ الاقتصادي الذي يواجهه العالم بسبب جائحة فيروس كورونا.
تجسير وزير الخارجية الأمريكي بين خطر التباطؤ الاقتصادي وجائحة فيروس كورونا إشارة إيجابية تظهر مدى الوعي المسئول للإدارة الأمريكية والمُلمّ بحقائق الأمور. ورفضها لادعاء أن عدم استقرار أسواق النفط كان نتيجة تعزيز المملكة لإنتاجها مما أدى لإغراق الأسواق.
واستطرد الوزير الأمريكي في حديثه بأن المملكة أمامها فرصة حقيقية للارتقاء (بمعنى رفع سقف وليس كما قدمه الاعلام المشبوه بأنها مسائلة تمس أخلاقيات المملكة التي لا مزايدة عليها) إلى المستوى المطلوب لطمأنة أسواق الطاقة والأسواق المالية العالمية التي تواجه حالياً شكوك حول أوضاعها الحالية والمستقبلية.
الإدارة الأمريكية تدرك تماما أن الوضع معقد في الوقت الذي يُصِر فيه بعض الجمهوريون تحت قبة الكونجرس على المملكة بتخفيض إنتاجها بسبب مصالحهم الضيقة. وأيضا تدرك بأن المملكة تعي الموقف الحساس للإدارة الأمريكية والذي يحتاج الى تعاطي خاص.
فالمملكة – والتاريخ يشهد لها – كانت دائما تعمل لمصلحة الجميع بالرغم من تعنّت البعض في أوقات حرجة. وعندما تتركهم لمواجهة الواقع بمفردهم يهرولون لها لكي تنقذ الموقف. في اللحظات الاقتصادية الحرجة، الكل يرجع الى المملكة لعلمهم أنها هي القادرة بحكمتها وامكانياتها على قيادة المركب إلى بر الأمان.
ولكن الإدارة الأمريكية أيضا تحتاج أن تتفهم جيداً بأن المفاجئات الغير مسئولة والتي تقابلها المملكة بين الحين والآخر من أعضاء في أوبك أو من خارجها – بينما تُحمّل وحيدة عبئ استقرار اقتصاد العالم – يفتح باب الحاجة لطرح فكر جديد. وربما حان الوقت أن تبادر الولايات المتحدة – هذه المرة – في طرحه.
والسؤال هنا: هل يمكن أن يكون الطرح الأمريكي الجديد في أن يتكامل دورها مع دور المملكة في استقرار أسواق الطاقة والأسواق المالية بدلا من ترك هذه المهمة على عاتق المملكة وحدها؟
من حيث المبدأ، ربما تكون الإجابة بالإيجاب وذلك من خلال إيجاد منظومة تعاون جديدة وفعّالة تفي بالوعود وتلتزم بالاتفاقيات.
المملكة – حسب ما هو واضح – لن تتنازل عن “أوبك” والتي قارب عمرها الستين عام منذ تأسيسها في سبتمبر 1960. ولكن هذه المنظومة ربما تحتاج اليوم الى إعادة تأهيل واسعة لكي تتواكب مع متطلبات المستقبل. منظمة “أوبك” يمكن أن تخرج للعالم في “اصدار” جديد يتحلّى بدماء جديدة وفكر جديد. والولايات المتحدة تملك كل المقومات المطلوبة لمشاركة المملكة في تنفيذ ذلك. أو على أقل تقدير طرح الفكرة للنقاش الجاد في ظل تعيين د. فيكتوريا كوتس كموفدة رسمية للحكومة الأمريكية لمناقشة سبل التعاون المشترك كما تطرقنا له في مقالة سابقة مع صحيفة مال الاقتصادية بعنوان (هل ستصلح أمريكا ما أفسدته روسيا في أسواق النفط).
فمن خطاب النواب الجمهوريين الى سمو ولي العهد السعودي فتعيين وزارة الطاقة لموفد رسمي لها بالمملكة لمناقشة خطط تعاون في استقرار الأسواق، وأخيرا مكالمة من وزير الخارجية لسمو ولي العهد، كلها إشارات قوية تفيد بأن الجانب الأمريكي جاد ويعي مسئوليته تجاه أسواق النفط والمال والاقتصاد العالمي بشكل عام.
تفعيل مثل هذا التعاون الخلوق مع المملكة يمكن تحقيقه. وإذا ما كان هناك تشريعات تمنع الحكومة الفيدرالية من أن تخطو في هذا الاتجاه، فربما الموقف يحتاج شيء مماثل تماما كما حصل – قبل أيام – عندما فعّل الرئيس الأمريكي قانون الإنتاج الدفاعي على القطاع الخاص الأمريكي لمواجهة خطر جائحة فيروس كورونا في الولايات المتحدة. مما يعني أن هناك دائما ما يمكن فعله للاقتصاد الأمريكي الكلي.
أما بالنسبة لدور روسيا كعضو في “أوبك+” فاستمراره من عدمه في يد روسيا نفسها. التي وضعت مصداقيتها وموثوقيتها على المحك ليس فقط أمام المملكة، ولكن أمام العالم أجمع بعد تعنت موقفها في تقبّل تمديد اتفاق تعميق تخفيضات الإنتاج في اجتماع فينا مطلع شهر مارس المنصرم. وختم هذا الموقف السلبي تصريح نائب وزير النفط الروسي قبل أيام والذي لا يرتقي ابدا ودور روسيا كمنتجة ضخمة ومهم لها استقرار الأسواق. حيث قال نائب وزير النفط الروسي بأنه كان يمكن تحاشي “صدمة أسعار إضافية في سوق النفط لو أن أوبك لم تعلن خططا لتعزيز الإنتاج”. هذا القول الغير مسئول فيه انكار حقيقة تأثير جائحة فيروس كورونا على الأسواق وشبهة اتهام مرفوضة شكلا وموضوعا للمملكة.
المملكة ترحب دائما بالتعاون الجاد. وخاصة مع الولايات المتحدة التي تربطها بها علاقات تتعدى تعريف انها استراتيجية. ويبقى على صناع السياسة في الولايات المتحدة أن ينتهزوا فرصة أن عوالم الطاقة والمال والاعمال والسياسة في منعطف حاسم. لأن التاريخ يطوي فصل كامل فيه (ما قبل كورونا) ويبدأ في كتابة فصل جديد (ما بعد كورونا). التعاون الخلوق هو ما سيضمن الحفاظ على الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية. وهذا يحتاج المساهمة الفاعلة للولايات المتحدة والتي لديها مخزون ضخم من الاخلاقيات الراقية والالتزام والجدية. ولا يمكن للولايات المتحدة الا أن تقدم أخلاقياتها التي قامت عليها خاصة في هذه اللحظات الحاسمة التي نعيشها ونبني عليها لمستقبل واعد.
العلاقات السعودية الامريكية لا يمكن أن يمسسها أحد كما المحنا لتأكيد نواب جمهوريون في مقالة سابقة مع صحيفة مال الاقتصادية بعنوان (هل تنضم أمريكا الى “أوبك+“). الا أن الوضع الراهن – والمستقبل – يحتاج التعاون السعودي والأمريكي لرفع سقف الطمأنينة في الأسواق والسيطرة على مستوى الاضطراب الحاصل. وهذا أدعى لاحتمالية قوية في أن نرى “أوبك” جديدة في المستقبل المنظور.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال