الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في الحلقة السابقة من هذا المقال تطرقنا بشكل موجز عن السوق النفطية ، وكيف أن تلك الأسعار قلما تخضع لقانون العرض والطلب، وأن البورصة النفطية كغيرها من البورصات الأخرى أصبحت هدفا للمضاربين، وجدوا فيها مبتغاهم، فنجاح البورصة من وجهة نظرهم في سرعة استجابتها لتلك الأحداث الذي يحسن استغلالها كبارهم بما يحقق لهم ما يسعون إليه من ربح.
ثم طرحنا سؤالا عن سبب إقبال المضاربين على هذه السوق وازدهار المضاربات فيها رغم الخطورة الشديدة التي تكتنف تعاملاتها.
ولكي نعطي إجابة تجمع بين الدقة والمنطقية، كان لابد من الربط والتحليل بين الاقتصاديات الكبرى في العالم من حيث معدلات الفائدة وأسعار الصرف مرورا ببورصة الذهب ، ومن خلال ذلك نضع معيارا نبني عليه ذلك التحليل فكان الاقتصاد الأمريكي وسيلة للوصول إلى ذلك كونه أقوى وأكبر اقتصاد في العالم ، فلا يخفى على أحد ذلك التأثير الذي تحدثه السياسات الاقتصادية الأمريكية على اقتصاديات العالم الأخرى، وبهذا كان معدل الفائدة التي تُعد اللاعب الأكبر في اقتصاديات العالم، والمؤثر الرئيس في أسعار الصرف والبورصات العالمية، مفتاحا أساسيا لمعرفة أسباب إقبال الكثير خصوصا المضاربين منهم على بورصة النفط.
تُعد الفائدة الأمريكية والسلوك التي تتخذها مؤشرا على أداء وسلوكيات الاقتصاديات الأخرى، بل وتمثل رؤية أكثر وضوحا حول ما يتوقعه الكثير من المحللين الاقتصاديين، وفي الرسوم البيانية أدناه وقع الاختيار على بعض الاقتصاديات العالمية ، نبين من خلالها ذلك التقارب الكبير بين مسار الفائدة في تلك الدول وتتبعها لمسار الفائدة الأمريكية، والتي باتت في هذا الوقت مصدر قلق لاقتصاديات الكثير من الدول.
أما فيما يتعلق بأسعار الفائدة وأثرها على أسعار الصرف ، فمن المعلوم أن الدولار هذه الفترة لا يُعد عملة جاذبة للمستثمرين والمضاربين فقد كان سعر الفائدة الأمريكية المنخفضة ذا أثر سلبي واضح على أدائه أمام العملات الرئيسة الأخرى كالين الياباني والجنيه الإسترليني والدولار الكندي، والرسوم البيانية أدناه تبين أثر سعر الفائدة على انخفاض قيمته أمام بقية العملات.
أما فيما يتعلق بالذهب فقبل الحديث عن سبب تلك الموجة المتصاعدة في أسعاره، ينبغي الرجوع لتلك العلاقة التي كانت تربطه بالدولار، والتي مهدت للعملة الأمريكية أن تكون العملة الأولى عالميا والاحتياطية للكثير من الدول بلا منازع.
فقد كانت بداية تلك العلاقة عام 1944 بما يسمى اتفاقية بريتون وودز حيث تم فيها ربط الذهب الدولار نتج عنها تثبيت سعر الذهب عند 35 دولار للأونصة، واستمر العمل بهذه الاتفاقية والتي سهلت للاحتياطي الفيدرالي طبع كم هائل من الدولارات دون تغطية ذلك بالذهب وأصبح الدولار أكثر العملات طلبا سواء في أسواق الصرف والمبادلات التجارية كالنفط مثلا وكاحتياطي نقدي لدى البنوك المركزية، وفي عام 1971 قام الرئيس الأمريكي نيكسون بوقف العمل بتلك الاتفاقية، ولم يعد بالإمكان استبدال الدولارات بالذهب، وبهذا ضمن للدولار منزلة يصعب على الاقتصاد العالمي الفكاك منه.
وكما واضح في الرسم البياني أدناه والذي يوضح حركة أسعار الذهب مقارنة مع اتجاه حركة الفائدة الأمريكية، نلاحظ أن معدلات الفائدة المرتفعة والتي بدورها تزيد من إقبال المستثمرين والمضاربين على اقتناء الدولار وبالتالي ارتفاع سعر صرفه في مقابل العملات الأخرى أدت إلى بقاء متوسط سعر الذهب 320 للأوقية من عام 1971 – 2005 ، بينما اتجهت أسعار الذهب للارتفاع عكس اتجاه سعر الفائدة.
ونلخص مما سبق أن الفائدة الأمريكية والتي قاربت الصفر كان لها الدور الأكبر في قلق المستثمرين والمضاربين على وجه الخصوص مما جعلهم يتجهون باستثماراتهم إلى بورصة الذهب والنفط، مستفيدين في الوقت نفسه من الأزمات السياسية التي مازالت تعصف ببعض الدول المنتجة كالعراق وليبيا، والأزمة الروسية الأوكرانية، والأحداث في نيجيريا.
ولكن يبقى السؤال الأكثر أهمية، هل سنرى انخفاضا في أسعار النفط مستقبلا. في السلسة القادمة والأخيرة من هذا المقال نجيب على ذلك بشيء من التفصيل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال