الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
سنة 2020 مصممة على أن تكون أصعب حول يشهده العالم منذ 1929 الذي قدّم فيه أكبر أزمة اقتصادية للعالم ، فبعد القلق من احتمالية كارثة اقتصادية كان متوقع حدوثها ما بين 2018 – 2019، بسبب ارتفاع الديون المعدومة – كما تطرق لها الكثير من الكتاب في الشأن الاقتصادي ومن أشهرهم “دانيال أربيس”، الكاتب في صحيفة “وول ستريت جورنال” في سبتمبر 2018 – فوجئ العالم بجائحة فيروس كورونا التي بدأت تنتشر خلسة من الصين العزيزة ولم تكن في الحسبان، وبالرغم من ظهور بعض المؤشرات الواعدة بأن الاقتصاد العالمي سيتعافى بتسارع مقبول بعد مرور هذه الجائحة، إلا أن هناك تخوف حقيقي ومنطقي من أن ما سيكون خلاف ذلك.
أبدى العديد من الاقتصاديين تخوفهم – المبني على دلائل لا يمكن إهمالها – بأن اقتصاد العالم سيتعرض لضربة موجعة قبل أفول شمس 2020، حسب عدة تقارير، من أهمها تقرير وكالة “بلومبرغ” في أول هذا الشهر.
أهم هذه الدلائل هو أن لقاح فيروس كورونا – وإن أنتج – لن يكون متاح للعالم كله في 2020، ومع احتمالية مواجهة موجة ثانية للجائحة – التي بدأت تظهر بوادرها في أوروبا وأمريكا الشمالية حاليا – متوقع أن تُلحق أضرار بالاقتصاد العالمي بأكثر من 35 ترليون دولار إضافية، وهو الاقتناع شبه الجازم للاقتصادي “ماكيين” من وكالة “موديز” التصنيفية العالمية.
إذا ما حصلت موجة ثانية للجائحة، فالأثار ستكون كارثية بسبب احتمالية عملية إقفال جديدة، مما يعني شلل تام للنشاط الاقتصادي على مستوى العالم، ومع الانفاق الضخم الذي حصل على برامج الدعم الداخلية في دول العالم أثناء الموجة الأولى، مما أدى إلى زيادة مضطردة في الديون ليفاقم هذا الوضع من عجز موازنات هذه الدول خاصة مع الانخفاض الحاد في إيراداتها، ستكون الحاجة ماسة لإصدارات ديون إضافية، لكي تتمكن الدول من الدخول في دورة جديدة لتحفيز اقتصاداتها.
لكن التحدي هنا هو أن هذه الدورة الثانية – غالبا – ستكون غير متاحة، بسبب شح النقد المتوفر وارتفاع نسب الفائدة للإقراض في أسواق المال، وإشارات تدل على أن أغلب الدول وصلت إلى ذروتها في الدين المتاح لها كما قالها صراحة المستشار الاقتصادي العالمي “يواكيم فيلس”، وليس أمام هذه الدول سوى تجهيز اقتصاداتها لمرحلة ركود عميقة، خاصة أنها مضطرة – بسبب استنزاف النقد فيها – للقيام بتقليص حزم الدعم الاقتصادية التي قامت بها في دورتها التحفيزية الأولى.
ففي الصين – على سبيل المثال – الإشارات الصادرة من عدة بنوك كبيرة هناك تدل على أنها تعاني هذه السنة من انخفاضات مقلقة جدا في أرباحها بسبب الديون المعدومة، وذلك لعجز الكثير من المصانع على السداد لضعف التوزيع والمبيعات كنتيجة طبيعية للتردد العالي عند المستهلك الصيني في الانفاق، إضافة إلى ضعف الطلب الحاصل على المنتج الصيني في الأسواق الأخرى، مما يدعم توقعات صندوق النقد الدولي في انخفاض جاد لمؤشر الناتج المحلي للصين في هذه السنة، كما المحت اليه صحيفة “الإندبندنت” البريطانية في شهر يوليو الماضي.
والحال مشابه في أوروبا، فحسب رؤية وكالة “ستاندرد اند بورز غلوبال” للتصنيفات الائتمانية العالمية، فإن بنوك أوروبية كبرى ستكون خسائرها – بسبب الديون المعدومة – مهلكة لما يقارب %75 من مجمل أرباح عملياتها، فبجانب إبداء بعض الحكومات الأوروبية وغيرها من عدم القدرة على الوفاء بديونها، كثير من المصانع في أوروبا تعاني حتى من الوفاء بتغطية خدمة ديونها، نتيجة انخفاض الطلب على انتاجها، بالرغم من كل خطط المحفزات التسعيرية على منتجاتها.
وليس الاقتصاد الأمريكي بأحسن حال من نظيره في أوروبا أو الصين، فالكثير هناك يعمل على إعادة تأهيل نفسه لأسوأ الظروف المحتملة كما هو الحاصل مع العملاق “فورد موترز” بسبب طفرة التكنولوجيا الشرسة التي يمكن أن تمسح تاريخ الكثير من الصناعات التقليدية، وعملاق النفط “إكسون موبيل” وأغلب شركات النفط الصخري في تقليص عدد الوظائف الى الحد الأدنى الممكن، خاصة مع الإشارات الواردة بسبب عدم استقرار أسواق النفط والغاز والمنتجات المكررة، إضافة إلى حالة التوتر بين الصين والولايات المتحدة في ظل انتخابات أمريكية أقلقت العالم قبل أن تبدأ فعاليتها في نوفمبر المقبل.
المشهد العالمي الجيوسياسي والاقتصادي والصحي معقد، ومع إشارات واردة لا يمكن لأهل الاقتصاد وبيوتاته إهمالها، وبتراكمات حقيقية وقائمة من تضخم واستنزاف احتياطات وتوترات حدودية وضعف انتاج وضمور مبيعات وطفرة تكنولوجية – ربما يكون العالم مقبل على جائحة أعتى من جائحة فيروس كورونا… جائحة شح النقد والديون المعدومة، وبلا لقاح.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال