الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تعتبر الانتخابات الأمريكية الحدث الأهم في الأيام الماضية – وستظل حتى موعد التنصيب الرسمي – لوسائل الإعلام العالمية، وهو أمر طبيعي أن نتابع نحن والعالم كله هذا الحدث، خاصة أن سياسة واقتصاد وعلوم وتكنولوجيا ورياضة وفنون وقمح أمريكا لهم الدور الأكبر في تحريك العالم كله وبلا استثناء.
ولكن الغريب والعجيب هو الاهتمام المبالغ فيه من فئة في مجتمعنا – يستحقون وبجدارة لقب “الترمبيون” -على منصات التواصل الاجتماعي وتحديدا على “تويتر” بمتابعتهم الدقيقة لانتخابات الرئاسة الأمريكية، مطعمه بتحليلات واعتراضات ونزاعات كلامية دعما للرئيس الجمهوري “دونالد ترمب” ضد منافسه السيناتور الديموقراطي “جو بايدن”.
الملاحظة المقلقة التي ظهرت بوضوح في طرح هؤلاء “الترمبيون” هي في المدلولات البادية لسطحية استثنائية أثناء التعاطي مع موضوع الانتخابات الأمريكية، والمذهل أكثر هو تجاوب كثير من أفراد المجتمع معهم وقد وضح عليهم التأثر بما يطرحه “الترمبيون” وبما يحمله من نبرة وصاية أو علم كامل بما يدور في الدهاليز السياسية للولايات المتحدة وكأنها دولة هامشية الفكر والتجربة.
وإذا كان لنا أن نرصد هذه الملاحظة والتحفظ عليها خاصة وأننا مجتمع ثلاث أرباعه من الشباب الذى فتحت لهم المملكة باب السفر والابتعاث والاختلاط بالغرب، سنجد أنه من المهم أن نتنبه لمستوى تأثر هذا المجتمع بطرح لا يهتم إلا بحواف الأوضاع دون القدرة على الخوض فيها، إلا أنه ومن جهة أخرى قد نلتمس لهم بعض العذر، فسياسة الديموقراطيين وعلاقاتهم مع المنطقة العربية السابقة ورسائل “بايدن” أثناء الحملة الانتخابية لا تحمل تفاؤلا، ولكن برصد بعض النقاط الهامة قد تتغير الصورة لتخفف من حالة التوجس الحاصلة.
لا نختلف على تميز هذه الانتخابات التي نجحت في اظهار انقسامات هي الأقسى حدة منذ الحرب الأمريكية الأهلية (1861 – 1865)، ومن الصعب أيضا أن نقيس هذه الانتخابات بسابقتها بين “ترامب” و “كلينتون” حيث اسفرت فترة رئاسة “ترامب” عن تغير واضح في الاتجاهات السياسية التي عكستها كتابات المحللين الأمريكيين أنفسهم، وربما كان عدم اطلاع “الترامبيون” بشكل كاف هو ما دفعهم إلى وضع تحليلات مشوهه لجهلهم بالعديد من العوامل المسببة لمنافسة انتخابية تكاد تأخذ شكل الحرب بين الحزبين الحاكمين في الولايات المتحدة، وكأي مقامر مبتدئ في سباقات الخيل، كانت رهاناتهم أحادية القطبية وبكم مخجل من النقاط العمياء.
المذهل في هذه المسرحية الهزلية هو معارضة هؤلاء “الترامبيون” وجهات نظر الكثير من المحللين من المشهود لهم بالكفاءة الفكرية، وهناك من كان يناقش وبإسهام مسألة عدم تطويع التكنولوجيا لخدمة عملية التصويت، وابداء استغرابهم من تخلف الولايات المتحدة باستخدام البريد والذهاب لمراكز الاقتراع كآليات عفى عليها الزمن حسب زعمهم، ألا أن الملاحظة التي لم تكن مفاجئة عن هذه الفئة هي غلبة التعصب في جدالهم أكثر من كونه نقاش يأخذ بالفكر المحايد ويحترم رأي الآخرين.
كل هذا لا يهم ويمكن التغاضي عنه لهذه الفئة من باب الفكاهة، ولكن أمام محاولة الإيحاء بقصد أو غير قصد بأن مصير المملكة معقود بشخص رئيس الولايات المتحدة، هنا نحتاج إلى وقفة نظام جادة لأنه واضح على هذه الفئة أنها لا تُحسن قراءة المشهد السياسي للمملكة.
هذه الفئة تناست ما قاله سمو ولي العهد في لقاء بلومبرغ – على سبيل المثال – بأن الدولة السعودية موجودة قبل ظهور أمريكا ومازالت (وستظل بإذن الله)، فالمملكة دولة ذات سيادة مطلقة وثقل سياسي يضعها في مصاف أكبر سبع دول من ذوات الثقل المؤثر عالميا، ومن يحمي أراضيها هم أبناء شعبها بكل قوة وحزم، والمملكة تعتمد عليهم في الحفاظ على أمنها واستقرارها، كما أكدها سمو ولي العهد.
كما أنها تغافلت تماما عن حقيقة أن قيادة المملكة العربية السعودية الرشيدة – وكعادتها دائما – تتعامل بالحكمة والتأني مع كل التحديات والمواقف للإدارات الأمريكية – بصرف النظر عمن هو رئيسها – تجاهها أو تجاه المنطقة وحتى على مستوى العالم، خاصة في الملفات الشائكة والمعقدة مثل ملف إمدادات وأسواق النفط، حيث أثبتت المملكة عبر إدارتها للأزمات أنها دولة الحكمة وتنطلق من مسؤولياتها العظيمة تجاه مصالحها ومصالح شعبها أولا، وتوازن مصالح دول المنطقة والعالم، فالمملكة ليست كما يحاول البعض في الولايات المتحدة تصويرها على أنها مجرد آبار نفط، وليست كما يعتقد البعض بالمملكة أنها تتعامل مع أفراد.
وتجاهل هؤلاء “الترمبيون” أيضا حقيقة التركيبة السياسية للولايات المتحدة الأمريكية، فهي جمهورية دستورية ودولة مؤسسات من العيار الثقيل، ولا مكان للقرارات الفردية فيها كدولة عظمى ذات تجربة غنية خاصة في بناء علاقاتها الاستراتيجية، كما أن التحدث عنها بشيء من الاستخفاف وكأنها مجرد دويلة لا يليق أبدا بمكانة وعمق فكر المجتمع السعودي الذي جله من الشباب المتعلم والمثقف.
على هذه الفئة (ومن يستمع أو يتجاوب معها) أن تعي حقيقة أن المملكة بثقلها السياسي والديني والاقتصادي هي دولة محورية وبمثابة الجسر الآمن لمرور معظم مصالح العالم الحيوية، ودولة بحجمها ومكانتها لا تكتفى بمراقبة السباق الانتخابي من بعيد وهذا هو الطبيعي في مجريات الأمور للدول الكبرى، أما المرشح الديموقراطي “بايدن” وتصريحاته التي ربما تحمل نبرة عداء أو تحفظات تجاه المنطقة فلا يجب أن تأخذ أكبر من حجمها في ظل معركة انتخابية محتدمة سرعان ما تنطفئ نارها، ليواجه “بايدن” – في حال أنتخب كرئيس للولايات المتحدة – الحقائق على أرض الواقع بحلوها ومرها.
لذا، على فئة “الترامبيون” – ومثلها من فئات – أن تتفنن في طرحها السمج كما يحلو لها بعيدا عن المملكة، الدولة الكبرى والكيان العملاق الذي يُحرّك أعين العالم حيث يتحرك قادتها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال