3666 144 055
[email protected]
سعت المملكة منذ نشأتها إلى يومنا هذا إلى قيام مشروعات اقتصادية كبيرة، ومتقدمة تمكنها من تحديث اقتصادها، وتغيير هيكلته، وإزالة الاختناقات التي تقف في وجه مسيرة التطور الاجتماعي، والاقتصادي، وتساعد في إنعاش التنوع الاقتصادي، وزيادة الدخل وتعيد تعبئة، واستثمار الوفورات النقدية الرأسمالية الضخمة المتحصلة من إيرادت النفط، وتخفف العبء على ميزان المدفوعات، وتفتح أبوابا، ومجالات عمل منتجة للأيدي الوطنية المتزايدة، وتجلب التقنية، والمعارف الجديدة، وتوآزر قطاعها الخاص؛ وفي سبيل ذلك بحثت عن الأدوات التي تمكنها من ذلك، وكان من بين ما استقر عليه الأمر البحث عن شراكات مع الشركات الرائدة حول العالم لتقوم بالمهمات الجسيمة في صناعة الصناعة السعودية؛
وقد وجد هذا التوجه صدى واسع الآفاق لدى هذه الشركات، وبالفعل فقد تمت الشراكات، وأبرمت العقود، وقامت المشاريع، وتطورت، ونمت، وترعرعت، وخصوصا فيما يتصل بالنفط، والمعادن، والصناعات التحويلية، والبتروكيمائية، والثقيلة، وكانت الثمرة قيام منظومات استثمارية عملاقة، ومؤثرة اقتصاديا، واجتماعيا؛ ومع الوقت، وانقضاء مدة بعض العقود عادت ملكيتها إلى محضنها الأساس الدولة، وفي المقابل فلا تزال كثير من الشراكات قائمة، ولا تزال الأبواب مشرعة إلى الآن لشراكات نوعية جديدة؛
والمملكة تعتبر من البيئات الاستثمارية المحببة لدى الشركاء الأجانب، لما تتميز به من استجابتها المتسارعة للمتغيرات الاقتصادية المختلفة على المستوى العالمي، والإقليمي، والمحلي، ولقوتها الاقتصادية فهي من دول العشرين، وهي أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، وهي من أكبر الدول الجاذبة للاستثمار المباشر، ولديها نظام ضريبي مصنف في المرتبة الثالثة عالميا، ولأنها مركز للطاقة العالمية، ولخططها الطموحة في التقدم، والرقي.
هذا الجانب المشرق لا يخلو من بعض المنغصات، والمحاذير التي ينبغي الإشارة إليها، والحذر من مغبتها؛ فالنموذج العام لبعض المشروعات المشتركة يقوم على إدارة الشريك الأجنبي للمشروع، وإحكام السيطرة عليه، والتحكم في مستقبله، وتطوره من خلال توجيه دراسات الجدوى، وتحديد التقنية، والفن الانتاجي، والمواد الخام، واستخداماتها ،وعدد المنتجات، ومواصفاتها؛ ومن خلال اتفاقيات الإدارة، والتسويق، والمشتريات، والخدمات، والاستشارات، والتوظيف، بل قد يمتد إلى أن يكون هو المسوق، والمشتري للمنتجات؛ وهذا الوضع حول دور مجلس الإدارة إلى دور ثانوي غير مؤثر؛ ويسـتـهـدف الشريك الأجنبي من توجيهه هذا امـتـصـاص الجزء الأكبر مـن استثمارات المشروع، ودخله؛
ونـتـيـجـة لـهـذا فـإن مصلحة الشريك الأجنبي تتباعد عن مصلحة الشريك الوطني، مما يؤدي إلى نشوء الخلافات، وإلحـاق الخسائر بالمشروع، ورفع تكلفته الرأسمالية إلى حد يلغي الميزة النسبية لوجود الشريك الأجنبي عن أقامته بأيد وطنية خالصة؛ كما يؤدي كذلك إلى توجيـه هـذه المشروعات وجهة تكاملية مع السوق العالمية، ومع عمليات الشريك الأجنبي أكثر من توجيها للتكامل والتفاعل المحلي، والإقليمي، والعربي المنشود؛ وأخـيـرا فقد يؤدي هذا الانفراد إلى الاعتماد على العمالة الأجنبية الرخيصة مما يؤدي إلى إضاعة الفرصة فـي أيجـاد عـمالة وطنية منتجة، وأجهزة فعالة لاستيعاب التقنية، واكتساب الخبرة الإدارية، والفنية المتوقعة؛
ومن هنا فإنه يجب فعلا التركيز على تحديد أهداف المشروعات العامة بدقة تامة، وإعطاء الدراسات، والعقود، والمتابعة أبعادها الاقتصادية، والاجتماعية، والوطنية؛ وإيلاء الجوانب التفصيلة كل عناية ممكنة.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734