3666 144 055
[email protected]
ALQRNIAA@
في السنوات الأخيرة لا يكاد المراقب ينعم بلحظة هدوء، واستقرار؛ وهو يلاحق تقلبات العالم السياسية، والاقتصادية؛ ذلك أن العالم كما يرى المختصون يمر بتحولات انتقالية، وتغيرات جوهرية، في سباق معولم، تجاه تشكيل مستقبل العالم السياسي، والاقتصادي، فالصراعات على أشدها، والمنافسات في أقصى حدودها؛ ولم تعد الدولة الواحدة لاعبة مؤثرة فيه، بقدر التكتلات الاقتصادية لمجموعة من الدول؛
ولعل أهم هذه التكتلات الناشئة، المؤثرة على المستقبل العالمي هي مجموعة دول “البريكس” وهي مجموعة من الدول أنشئت عام 2008م لبناء قطب اقتصادي عالمي جديد، في مواجهة القطب الغربي المتسيد؛ وبالتأمل في أسماء هذه الدول يستطيع القارئ الكريم أن يلاحظ أنها دول من العيار الثقيل! والثقيل جدا! فالصين، والهند، وروسيا، وجنوب أفريقيا، والبرازيل، قوى عالمية لا يستهان بها؛ مع تمايز بعضها على بعض في بعض الجوانب الاقتصادية، والسياسية؛ ويعد القاسم المشترك بين البلدان الخمسة هو أنها اقتصاديات صاعدة، تتميّز بجاذبية أسواقها، وكبرها، وعدد سكانها الكبير؛ كما تتميز بحيازتها لاحتياطات أجنبية ضخمة، ومديونية منخفضة نسبيا؛
ويكفي أن نعلم أن هذه المجموعة غير المتجانسة، ومتعددة الثقافات، والمتباعدة جغرافيا؛ تمثل ربع مساحة العالم، وتستأثر بـ 42% من ساكنيه، وتساهم بحوالي 50% من نمو الاقتصاد العالمي، وتمتلك نصف الاحتياطي العالمي من العملات، والذهب، وتسيطر على ثلث التجارة العالمية، وتستقطب رؤوس الأموال العالمية بكل سهولة؛ لما تتمتع به من بيئة جاذبة للأعمال.
إن هذه المجموعة تتطلع إلى قيادة العالم، وترى نفسها البديل القادم لرسم ملامح عالم المستقبل؛ وإن لم تفصح عن هذه النوايا، حيث تؤكد دائما أنها لا تعمل في معزل عن النظام العالمي، إلا أنه يمكن تلمس خطواتها من خلال بعض قراراتها؛ فهي تعمل على إصدار عملة عالمية جديدة، مقابلة للدولار الأمريكي، مرتبطة بسلة عملات دول المجموعة نفسها؛ تستعمل فى التجارة الدولية، وكعملة للاحتياطى العالمى؛ وكذلك إنشاء بنك مشترك للتنمية برأس مال 50 مليار دولار، على غرار البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي؛ إضافة إلى عزمها على ايجاد منظومة لتأمين المخاطر في مجالات التجارة والتنمية، تهدف إلى إقامة شبكة بديلة، ومستدامة للتأمين، وإعادة التأمين في الدول الأعضاء بالمجموعة؛ كما تخطط الدول الخمس لتأسيس وكالة تصنيف ائتماني للدول؛ ومجلس لرجال الأعمال…
وبرغم الصورة الوردية التي رسمتها لنفسها على أنها المنقذ الجديد؛ فالحقيقة أنها لا تزال عاجزة أمام المعسكر القديم؛ ولا أدل على ذلك من ردة فعلها المتجمدة إزاء العقوبات التي فرضت على روسيا مؤخرا، فلم تنبس ببنت شفه؛ ولم تنتصر لأحد أقطابها الرئيسيين؛ كما أن المجموعة كانت تعول كثيرا على النمو الاقتصادي المستمر لأعضائها، وهو ما فشل معظم الأعضاء في تحقيقه بالوتيرة التي تدعم استراتيجيتها الجماعية؛ ولعل تدهور أسعار النفط إلى مستويات قياسية يضيف عبأ جديد على أحد أعضائها، وبالتالي على حلم المنقذين الجدد؛
وهنا يمكن القول أن مجموعة البريكس تعمل فيما بينها عبر تعزيز الثقة المتبادلة، ومواصلة تعميق وتوسيع التعاون التجاري؛ ولكن لا يمكن أن يُحكم بنجاحها فيما تسعى إليه؛ فأمامها مصاعب شتى، وعقبات كؤود؛ ويبقى تقدم هذا المولود الاقتصادي مرهون بمدى صموده في وجه الحرس القديم، وقدرته على تقديم البدائل الاقتصادية العادلة لدول العالم.
القرني
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734