3666 144 055
[email protected]
عندما كتبت مقالي حول التغيير الوزاري الذي تم في آخر عده الملك عبدالله رحمه الله ؛ توقعت إنني لن أكتب له تعقيباً قبل أقل من سنتين ، ولكن فوجئت مثل الكثيرين ليلة الجمعة الماضية والتي كانت ليلة تاريخية بحق ، تسمر فيها الملايين من المواطنين أمام شاشات التلفزيون ، ترقباً للأوامر الملكية التي تم الإعلان عنها قبل نشرها رسمياً بما يزيد عن الساعة ، وقد تكون تلك الساعات حققت أعلى مشاهدة في تاريخ التلفزيون السعودي .
لقد تم إعلان القرارات الملكية الكريمة والتي كانت بمثابة إعادة هيكلة شاملة لمنظومة الإدارة الحكومية ، في وقت قياسي بجميع المقاييس لم يتجاوز الأسبوع ، خاصة مع إنشغال الملك وفريقه بمراسم الدفن للملك الراحل رحمه الله والعزاء ، كما إني أجزم بإن هذه القرارات فاجأت الجميع ، بشموليتها ومضمونها وحجم التغيير الوظيفي والهيكلي فيها .
كان اللافت للإنتباه فيها هو التغيير الكبير في مجلس الوزراء ، وهو شيء طبيعي إذ إن لكل زمان دولة ورجال، والتغيير الحقيقي الذي تحدثه قرارات كهذه لا يتم إلا بحسن إختيار الرجال، الذين يختارهم القائد المحنك، وهو يبحث عن القوي الأمين ، وهذا يحدث في كثير من الدول ، حين تتغير الحكومات ، يتم إعادة التشكيل لمجلس الوزراء ، وبالتالي يبدأ القائد الجديد مع فريقه الذي إختاره لإدارة الدولة ، ونجاح الفريق هو نجاح للمنظومة ككل ولقائدها على حسن إختياره .
لم يكتفي الملك سلمان وفقه الله في إعادة التشكيل الوزاري فقط ، ولكنه فاجأ الجميع بإلغاء إثنى عشر مجلساً ولجنة وهيئة ، وفيها إشارة واضحة للرغبة في تفويض وتمكين الوزراء بشكل أكبر ، والغاء بعض الطبقات البيروقراطية التي تنازعت كثير من القرارات ، وقد لاقى هذا التغيير تفائلاً كبيراً ممن وجدوا أن هذه المجالس واللجان والهيئة قد إنتهى الغرض الذي أسست من أجله .
بعد القرارات كان للجميع رأي فيها ، لأيام لم أدخل مجلساً بعد الإعلان عن الأوامر الملكية إلا وكان الحوار حولها ، لماذا ؟ وكيف ؟ وماذا تتوقع ؟ ومن الأنسب ؟ ولماذا عين فلان وأبقي على فلان وتغير موقع فلان وإعادة فلان إلى حقيبته ؟ ومن هذا ؟ ومن ذاك ؟ لم يقطع تلك المجالس إلا سفري خارج المملكة ، والذي إستمرت فيه نفس التساؤلات من الإخوة العرب المهتمين بالشأن السعودي وهم كُثر.
كان الناس بين مؤيد ومعارض ومستفسر ومنتظر، ولا سبيل لإرضاء الجميع، ولا جدوى من إقناع المعارضين، ولا حتى من شرح لمبررات وآليات إتخاذ القرار ، كانت الخلاصة التي ننتهي فيها من الحوار مع العقلاء بإن الأيام ستبدي لنا النتائج ، وعلينا الإستبشار بالتغيير .
من ضمن القرارت التي تداولها الناس بالكثير من التشاؤل ، وهي حالة تعبر عن تنازع التفاؤل مع التشاؤم ، حول مستقبل الوزارة الأكبر في المملكة من حيث عدد الموظفين والمستفيدين من خدماتها وتأثيرها الكبير على مستقبل الوطن وبناء عقوله، بعد ضم التعليم العالي لوزارة التربية والتعليم، وتغيير مسماها إلى وزارة التعليم ، وتسائل الكثير حول كيفية إدارة الوزارة بهذا الشكل، وما هو هيكلها الجديد ؟ وما هو مصير الجامعات، وبرنامج الإبتعاث، والجامعات الأهلية.. الخ . وهي ما ستتبين لنا خلال الأشهر القادمة بعد إعادة هيكلة حتمية للوزارة لتتوافق مع وضعها الجديد ، ولا سيما بأن الوزارة تعاني أصلاً من العديد من الإشكاليات الهيكلية والتنفيذية فيها .
كما قيل “ السلطة المطلقة .. مفسدة مطلقة” ، وقد كُنت إقترحت أن يقدم كل وزير خطة عمل ربعية (لأربع سنوات وهي مدته النظامية في الوزارة) ، يقدم الوزير هذه الخطة لمجلس الوزراء خلال ثلاثة أشهر من تسلمه للوزاره ، يحدد فيها الأهداف العامة والبرامج التفصيلية والمدى الزمني للتنفيذ لكل هدف وتقسيمها لأهداف سنوية وتحديد إحتياجات التنفيذ ، وبمثل أهمية الخطة فإنه من المهم إعلانها للعامة لإيجاد قاعدة من الشفافية ، والشفافية ركن أصيل من أركان مكافحة الفساد المالي والإداري ، ثم يقدم المسئول في نهاية كل عام تقريراً بما تم تنفيذه وما لم يتم ، وأسباب الإخفاق وتعديل الخطة -عند الحاجة- للسنوات التي بعدها للتناسب مع النتائج المحققة ، ومن المهم أن تعقد جلسة سنوية في مجلس الشورى لكل وزير ورأس مؤسسة حكومية ومناقشته في أداء مؤسسته بناء على الخطة المقدمة والأهداف المطلوبة والنتائج المحققة ، والتي يجب أن تكون متوافقة مع خطط التنمية المعتمدة وترفع توصيات مجلس الشورى للملك لإتخاذ القرار الصائب.
آنذاك سيجد كل وزير نفسه في الموقع المناسب له ، بين خياري التجديد والتغيير ، وأربع سنوات كافية لأي مسئول بأن يقدم ما لديه ويقنع المستفيدين والمسئولين بأحقيته في التجديد لنفس المنصب أو الإنتقال لمكان جديد وتحد أكبر ، أو فتح المجال لغيره ولزوم منزله ، أجزم بإن ذلك إذا ما تم فسنشهد تغييراً جذرياً في أداء الوزراء وكبار المسئولين الحكوميين إلى الأفضل .
جدير بالذكر أن أشيد بما قام به أمير الرياض تركي بن عبد الله بن عبدالعزيز ، عندما قام بكل إيجابية بإستقبال خلفه معرفاً لرجالات الأمارة ، واضعاً بذلك لمسة ختامية عطرة لمسيرته في الإمارة ، ولم يكتفي بذلك بل توج ذلك الإستقبال بطلاقة وجهه وإبتسامة ثغره التي ألفناها خلال مدة حكمه للرياض ، ما قام به الأمير هو موقف الرجال من المسئولين الذين يعطون المنصب حقه ، ويتحملون مسئولية الإمارة عندما تعطي لهم ، ويعطون المنصب والوطن حقه عندما ينزع منهم .
مدح الوزراء والمسئولين والثناء عليهم في رأيي لا زال مبكراً ، ، فستظهر لنا الأيام كفاءة الأكفاء منهم ، وإن كنا نستبشر بهم ونتفائل خيراً من تعيينهم ، فإنني أسأل الله لهم التوفيق والإعانة والسداد ، وأن يجعل مناصبهم مطية لهم إلى رضا الله ومصلحة الوطن وقلوب الناس ، وكفاهم عبرة أن لكل بداية نهاية ، وأن التعيين سيعقبه إعفاء وإقالة ، طال الزمان أو قصر.
ختاماً؛ في ظني أن صندوق المفاجآت لا زال فيه بقية ..
* ينشر بالتنسيق مع الكاتب
القاسم
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734