3666 144 055
[email protected]
زيادة التمدن أو معدل انتقال أهل القرى إلى المدن، الذي كان ينظر إليه كإحدى الأولويات التنموية قبل ثلاثة إلى أربعة عقود من الزمن، هو ذاته أصبح اليوم أحد أكثر التحديات التنموية المعاصرة إلحاحا، ذلك أن الزيادة المطردة في معدل التمدن نتج عنها ضغط كبير على استهلاك الموارد الطبيعية. وقد كان الباحث أحمد عبد الله باشا أحد أوائل الباحثين الذين سلطوا الضوء على تلك الظاهرة في ورقة بعنوان “التحضر في السعودية”، مسلطا الضوء على مدينتي الرياض وجدة، وقد عزا أسباب الظاهرة في الدراسة إلى سببين رئيسين: أولهما الهجرات الداخلية للمدن الرئيسة، وكذلك ازدياد عدد القوى العاملة الوافدة للمملكة في تلك المدن.
حسب تقديرات وزارة الشؤون البلدية والقروية فإن 88 في المائة من سكان المملكة سيعيشون في المدن بحلول عام 2025، وكما هو معلوم فإن الوجود السكاني في المملكة يتركز في ثلاث مناطق رئيسة وهي: منطقة الرياض، والمنطقتان الشرقية والغربية. ومع التوقعات بارتفاع عدد السكان إلى 39 مليون نسمة بحلول عام 2020، ما يعني أن عدد سكان المدن سيرتفع عن 34 مليون نسمة، فإن الوضع سيزداد صعوبة. ولكن ما تداعيات الارتفاع الكبير في عدد السكان وتركزهم في المناطق الثلاث الرئيسة؟
وللإجابة عن هذا السؤال، دعونا هنا نذكر أن الزيادة في عدد سكان الصين كانت نحو 15 في المائة بين عامي 1990 و2005، بينما تضاعف معدل استهلاك الطاقة خلال الفترة نفسها، بمعنى أن العلاقة بين ازدياد السكان واستهلاك الطاقة ليست علاقة خطية، فزيادة عدد السكان بمقدار 1 في المائة يقابلها ارتفاع الاستهلاك بمعدل 7 في المائة تقريبا. بالطبع هناك عديد من العوامل الأخرى التي أدت إلى هذه الفارق الكبير مثل كون الصين بلدا صناعيا بمعدلات نمو كبيرة على مدى الأعوام المذكورة.
محليا وحسب مصلحة الإحصاءات، فإن معدل نمو السكان في المملكة بنهاية عام 2013 هو 2.73 في المائة، بينما معدل نمو استهلاك الطاقة يقارب 7 في المائة، ما يعني أن معدل نمو الاستهلاك يتجاوز معدل النمو السكاني بـ 2.5 مرة. وهذا يعني أن متوسط الاستهلاك الداخلي من الزيت الخام والغاز سيرتفع بشكل كبير عن مستويات الـ 30 في المائة من إجمالي الطاقة الإنتاجية اليومية في حال استمرار وتيرة نمو الاستهلاك على هذا النحو. ما يؤثر سلبا في مستوى الإيرادات للميزانية العامة من جراء نمو الاستهلاك الداخلي، وبالتالي التأثير بشكل واضح في معدلات النمو.
كما أن الكثافة السكانية ستزداد بشكل كبير. وبالطبع فإن زيادة الكثافة السكانية ستؤدي إلى تفاقم بعض التحديات التنموية في المدن الرئيسة. فمثلا، سيزداد الطلب على منتجات الإسكان، خصوصا في ظل النمو المتواضع لعدد الوحدات السكنية مقابل الطلب المهول في المناطق الرئيسة.
وزيادة الكثافة مرتبطة ارتباطا وثيقا بعدد النازحين إلى المدن الرئيسة، فمدينة الرياض مثلا يبلغ عدد النازحين إليها ما يقارب 33 ألفا انخفاضا من مستويات الـ 75 ألفا في سنوات ماضية. إلا أن عدد سكان الرياض من المتوقع أن يرتفع إلى ثمانية ملايين نسمة بحلول عام 2030، ما يعني حاجة المدينة إلى أكثر من 34 ألف فرصة وظيفية سنويا، وكذلك أكثر من 30 ألف وحدة سكنية إضافية.
ولا ننسى العديد من التحديات الأخرى المرتبطة بزيادة التمدن مثل زيادة التلوث، والانبعاثات البيئية الضارة، وقبل ذلك ارتفاع البطالة، والكثير مما لم نذكره. تحد يفرض علينا الكثير من القرارات التي لا يمكن تأجيلها إلى الغد.
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734