3666 144 055
[email protected]
تردد على لسان الدكتور عزام الدخيل وزير التعليم كلمة يدعو فيها إلى قليل من التعليم ومزيد من التعلم، والوزير ـــ بحسب ما ذكر ــــ أنه انتقد في بعض لقاءاته على هذه العبارة، ومع ذلك فإنه على قناعة مطلقة بها. لم تتهيأ لي فرصة لأسمع للوزير عما يقصده بدقة بهذه الكلمة لكن لا أظن أن هناك حاجة إلى القول إن المعنى في بطن الشاعر لمثل هذه العبارة، فالذي يتأمل في المحتوى الموجود في العالم الافتراضي يجد أن حصر المتعلم في المحتوى الذي يقدمه المنهج والمقرر الدراسي أو المعلم يعني بالضرورة حرمان المتعلم من فرصة كبيرة لأن يتعلم أضعاف ما يقدمه المقرر أو المعلم، فالمحتوى الموجود في موقع مثل اليوتيوب الخاص بالتعليم أو موقع خان أكاديمي Khanacademy محتوى علمي ضخم جدا فيه محاضرات ومواد علمية من أبرز العلماء المعاصرين في مختلف العلوم، ومحتوى كبير من خلال المادة العلمية التي تقدمها كبريات الجامعات في العالم تمكن أبناء هذا الجيل من الحصول على رصيد معرفي يتفوق بكثير فيه على معلميه. فمزيد من التعلم وقليل من التعليم في هذا العصر أمر لا بد منه للمنافسة المعرفية في العالم، إذ إن المنافسة في التعلم والتعليم عالميا كبيرة، إذ إن التعليم مرتكز كبير وأساسي للتنمية المستدامة، ولا يمكن أن تتفوق أمة دون أن يكون التعليم لديها متفوقا، واليوم ومع الخطط التنموية الحكومية التي تسعى إلى التحول إلى مجتمع المعرفة فإن ذلك يتطلب ألا يكتفي النظام التعليمي بالطريقة التقليدية للتعلم والتعليم التي تنتج جيلا لا يختلف عن الأجيال السابقة التي لم تشهد ثورة تقنية المعلومات ولا يختلف أيضا عن معظم نتاج التعليم في عموم دول العالم التي تنفق أقل بكثير من المملكة على التعليم.
فإذا ما كان توجه وزير التعليم يدفع بهذا الاتجاه فكيف يمكن له أن يحقق ذلك؟
لا شك أن الشعارات لا تكفي لتحقيق الطموح، فهذا البلد المعطاء الذي يهتم بالتعليم وينفق عليه الكثير لم يكن ذلك ليتم لولا وجود قناعات ويقين لدى قيادته بأن التعليم أساس للتنمية والارتقاء وتحول هذه الصحراء إلى مركز معرفي ينعكس إيجابا على مواطنيه والعالم، ومن هنا فإن التحول إلى النمط الأكثر تطورا في التعليم لا يعني بالضرورة الاستغناء عن أدوات التعليم التقليدية وهي المقرر والمعلم، ولكن من خلال تغيير أسلوب التعليم بناء على المتغيرات التي يفرضها العصر الحالي على التعليم، حيث تزداد جرعة تعلم المهارات من خلال المنهج ودروس المعلم بدلا من التركيز على المحتوى المعرفي مع عدم التقليل من أهميته.
لا شك أن المعلم مرتكز أساس للتعليم، وتطور إمكانات ومهارات المعلم في تعليم المهارات وتقديم المعرفة أمر لا بد منه لتحقيق المزيد من التعلم، إذ إن توافر الأدوات مثل المباني النموذجية والأدوات والتجهيزات لا تكفي دون دور فاعل من المعلم، ومن هنا تأتي أهمية العناية بالمعلم كمرتكز للمزيد من التعلم ويبدأ ذلك من خلال إقناع المعلم بأهمية تطوير مهارات الطالب وبالتالي إكسابه القدرة على التعلم الذاتي، وأن يكتسب المعرفة من خلال سلوكه اليومي، والأدوات التي يستخدمها غالبا بصورة يومية، وبناء الفضول المعرفي لدى المجتمع والطالب، وتعريفه بأسرع الإجراءات التي تمكنه من إشباع هذا الفضول المعرفي. وبعد إقناع المعلم بذلك فإنه ينبغي وضع برنامج متكامل لتعريف المعلم بالطرق الحديثة لإكساب الطالب المهارات.
من الأمور المهمة التي يركز عليها كثير من الممارسات التعليمية الحديثة هو مسألة التعلم بالترفيه، حيث يكون اكتساب المعرفة متعة للطالب وذلك على عكس الانطباع السائد لدى بعض الطلبة أن المعرفة شاقة ومملة، والتعلم بالترفيه له دور كبير في تراكم الرصيد المعرفي للطالب إذ إن المتعة والترفيه يزيدان من فترات التعلم للطالب وبالتالي يتكون لديه مع الزمن رصيد معرفي كبير، وقدرة على الاستقلال في الوصول إلى النتائج إضافة إلى قدرة أكبر على الابتكار والإبداع، كما أن ذلك يجعل من التعليم عملية مستمرة لا تقف عند مستوى معين أو مرحلة محددة، فالتعليم الذي يقوم على التركيز بصورة أكبر على تعلم المهارات وذلك سيزيد من كفاءة الفرد على الاستمرار في التعلم والقدرة على الابتكار وإيجاد الحلول.
فالخلاصة أن العناية بالتعلم أمر مهم لتقديم المعرفة بصورة متميزة تزيد من فرص التحول إلى مجتمع المعرفة في إطار خطط التنمية الحكومية، وهو أيضا يزيد من تنافسية وإمكانات الكفاءات الوطنية المعرفية، ما يؤدي بصورة واضحة إلى الارتقاء بالمجتمع اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734