3666 144 055
[email protected]
تواجه موجة الـ SocialEntrepreneurship أو ما يطلق عليه الريادة الاجتماعية موجتين من القوى، الأولى تقدمها كنموذج تطويري جديد للأعمال يراعي الأهداف الاجتماعية والإنسانية والثانية تعاملها كخدعة جديدة من خدع الأثرياء والمنظمات التجارية الضخمة لاستغلال المزيد من الفقراء والضعفاء!
لم يكتسب هذا المفهوم وما يشمله من تطبيقات وممارسات الاستقرار والنضج المطلوب بعد، حيث تتعدد تفسيراته ويدعي كثيرون تطبيقه بصور مختلفة، وهذا الأمر ينطبق لدينا محليا كما هو منطبق عالميا كذلك. ولكن، نستطيع الحكم على أهميته بالاستناد إلى عاملين واقعيين، الأول عندما يستخدم رواد العمل الاجتماعي العالميون هذا المفهوم لإيصال أفكارهم وبرامجهم، مثل محمد يونس الذي ينادي بالأعمال الاجتماعية Social Business وبيل قيتس الذي ذكر غير مرة “الرأسمالية الإبداعية” لشرح مفهومه عن الريادة الاجتماعية. أما العامل الثاني، فحينما يلفت المصطلح أنظار العلماء والمنظرين ونراهم يبدأون فعلا في تحليل وتفسير ظواهره وممارساته ضمن دراسات علمية محكمة.
ترتبط الريادة الاجتماعية بالتحدي الذي يراه البعض فيها وهو الجمع بين ثلاثي الكسب المادي الإبداعي والعمل الخيري الحديث وفهم الحاجات الاجتماعية الراهنة، وهذا في نظر غيرهم من تحميل المفهوم ما لا يحتمل. ولكن الأكيد أن الريادة الاجتماعية في كل صورها وممارستها تجمع على الأقل بين السلوك الريادي والعمل الخيري بطريقة ما. وهذا ما تؤكده الكتابات في هذا الموضوع، حيث تؤكد أن توليفة القيم التي يتم جمعها بين هذين المجالين ـــ أي الريادة والعمل الخيري ـــ هي ما يصنع لنا الريادة الاجتماعية، ولكن السؤال المهم: كيف تكون هذه التوليفة ومن سيحدد النسب المقبولة فيها لتدخل تحت هذا التعريف الجديد؟
من جانب آخر، عانت الرأسمالية الجشعة في العقود الماضية كثيرا من الانتقادات حتى باتت تغير جلدها باستمرار، طمعا في الظهور بمظهر متوازن يأخذ ويعطي ويحصد الرضا في نفس الوقت. وهذا ما يدعيه المعسكر المناهض للريادة الاجتماعية ويؤكد أنها ليست إلا مدخلا جديدا لترويج وبيع مزيد من المنتجات والخدمات واستغلال المستهلكين تحت غطاء العمل الاجتماعي والخيري.
تذكرني هذه المواجهة بما تقف عليه تجربة المصرفية الإسلامية في مواجهة المصرفية التقليدية، أي تحديدا مجموعة المبادئ السامية التي يستند إليها النموذج الاقتصادي الإسلامي كتقديم المقاصد الشرعية التي تحقق قيم العدل والنزاهة والمنفعة في كل تطبيق وممارسة تخضع له. ولكن، هذا بطبيعة الحال لا يكفي وإنما يعتمد في الأول والأخير على قدرة مهندسي المنتجات ومنفذي المشاريع على نقلها إلى الواقع وترويجها ونيل دعم عديد من الأطراف المهمة. إذا حسنت الفكرة وفشل التطبيق خرج المنتقدون وبدأوا في التشكيك في النوايا والأعمال.
وكذلك الريادة الاجتماعية، التي ينحصر بُرهَانها بالرهان على المشاريع الحقيقية التي تستطيع تحقيق أهدافها التي تدعيها. تحقيق الأهداف هو المحك في النهاية، مثل هدف خفض معدل الفقر في منطقة مع التأثير في سلوك قاطنيها. وهذا يتطلب تطوير أساليب قياس الأثر وهو ما تقوم عليه حاليا بعض المنظمات العالمية.
تشبه هذه الأفكار عند تقييمها مع النماذج الرأسمالية الأفكار الإيجابية الأخرى التي تطلق من حين إلى آخر، كالاستثمارات الأخلاقية، وبالطبع المسؤولية الاجتماعية، التي أصبحت أخيرا مجرد أداة تسويقية قل من يتعامل معها كما يجب، بل حتى إن بعض الشركات تسلم عهدة المسؤولية الاجتماعية إلى إدارات التسويق وهو تصرف فاضح يبين حجم سوء الفهم ـــ أو ربما الاستغلال ـــ ويجعلنا نتأكد أن المسؤولية الاجتماعية لا تزال تنتظر كثيرا لتصل إلى ما تدعيه.
ولنفس هذه الأسباب يسقط بعضهم الريادة الاجتماعية في نفس خانة المسؤولية الاجتماعية للشركات، ويعتبرها مجرد طريقة جذابة يلفت بها الانتباه لتحصد المنشآت التي تدعي القيام بها في نهاية اليوم مزيدا من المبيعات!
من يراقب حجم التطور في النماذج الرأسمالية الحديثة وكيفية خضوعها للمزيد من المعايير والالتزامات يفهم أن الريادة الاجتماعية تأتي في سياق التطور الطبيعي لهذه التغييرات. ولأن الفرصة لا تزال سانحة لتنفذ البرامج المبتكرة والإبداعية، التي تجمع بين سمات ريادة الأعمال Entrepreneurship والعمل الخيري والاجتماعي، فإن الرهان لا يزال مفتوحا لأفكار وجهود الرياديين الجدد لإثبات أو نفي كل ما يقال اليوم عن الريادة الاجتماعية.
ولا ننسى أن الحرية متاحة اليوم لرياديي المملكة في تنفيذ برامج مبتكرة وتأسيس منشآت مؤثرة لا ترتبط بالضرورة بالنماذج العالمية، وإنما تؤسس للاستجابة لحاجات مجتمعنا وتستنير في الوقت نفسه بالقيم الدينية والإنسانية الفضيلة. ولا أستبعد أن يظهر هذا في القريب العاجل، وأن يكون لشباب المنطقة كلمتهم، فكل المؤشرات تشير إلى الحشد الإبداعي الغني بمقومات النجاح، وهو لا يتطلب إلا تجاهل المثبطين ونيل ثقة البقية.
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734