3666 144 055
[email protected]
حين تجد الشركات الكبيرة نفسها في عين العاصفة، فهي بلا شك ستبحث عن طوق نجاة ينقذها من أزمة خانقة قد تكلفها اسمها وسمعتها التجارية أمام أصحاب المصالح.. ولكن الوقت قد يكون متأخرا كثيرا على المواجهة والصمود في وجه الكارثة!
في عصر “الاستدامة” بات على الشركات أن توجه أنظارها إليها باعتبارها الصورة الأكبر للأعمال، حيث لم يعد يشفع الأداء المالي الجيد وحده في حماية الصورة الذهنية أو أعمال المنشأة حال وقوع الأزمات.
ولن أذيع سرا حين أقول إن خطط واستراتيجيات إدارة الأزمات هي ضرب من “التنظير” إن لم تكن مترافقة مع “أداء مستدام” يقتضي تحقيق المنشأة عوائد لمساهميها وللمجتمع بشكل دائم وبما يحقق لها التفوق في مجالها.
لنأخذ على سبيل المثال أزمة شركة بريتيش بتروليوم النفطية العالمية، وكان قد كشف عن إنفاقها ملايين الدولارات لخلق صورة خضراء دون أن تتبنى استراتيجيات الاستدامة بشكل حقيقي فأصبحت علامتها التجارية مرادفة للغسيل الأخضر، وحين وقعت كارثة تسرب النفط لم تستطع الشركة الصمود، وفاقم ردة فعلها المتمثلة في “التقليل من حجم الكارثة” و”الرمي باللوم على الآخرين” من حنق الرأي العام العالمي، وهو ما أفضى بها لإنفاق ثلاثة أضعاف ما تنفقه عادة على الإعلانات في محاولة تحسين صورتها التي تضررت بشكل فادح.
في المقابل، حين أقرت شركة أثاث عالمية قبل ثلاثة أعوام بتشغيلها للمساجين السياسيين في أعمال السخرة في الثمانينيات للإبقاء على تكلفتها المنخفضة، شنت الصحف العالمية هجوما ضاريا مستنكرة ذلك التعدي حتى وإن حدث قبل عقود.
إلا أن الشركة تمكنت من تقليل تبعات تلك القضية بفضل استراتيجية الاستدامة لديها التي كانت درعا حصينة أمام أي تهديدات لسمعتها، إضافة إلى تقديم مديرة الاستدامة الاعتذار الشديد مؤكدة رفضهم مبدأ استخدام السجناء السياسيين، معللة الأمر بمحدودية أنظمة المراقبة في ذلك الوقت، التي لم تمكنهم من منع ظروف الإنتاج تلك بين الموردين.
وبحسب تجربتي مع الاستدامة، ربما تلخص النقاط الأربعة أهم المسائل التي يجب على الشركات مراعاتها قبل أن تطرق أي كارثة أبوابها:
1. الإقرار بحدوث الخطأ والتأسف علنا متى حدث، فالصمت أو التقليل من حجم الكارثة لن يسهم في منعها من أن تصبح أسوأ على أرض الواقع.
2. تقديم حلول للمشكلة ذات بعد استراتيجي، وتنفيذها على أرض الواقع، كدليل على النوايا السليمة للمنشأة والتزامها تجاه المجتمع والبيئة.
3. الشفافية والإفصاح في التقارير غير المالية “تقارير الاستدامة” والاعتراف بنقاط الضعف أو التقصير والتعهد بمعالجتها، وتتبع الآثار الفنية لمعايير الاستدامة، لتطوير جودة أداء المنشأة.
4. تبني برامج استدامة حقيقية تقف في وجه الأزمات.. ففي وقت الأزمات لن تحتاج منشأتك إلى محام أو عبارات رنانة حول الاستدامة أو جهة متخصصة في إدارة الكوارث والأزمات، بل إلى “عملها الصالح تجاه الإنسان والبيئة”.
واليوم ربما بات على مجالس إدارات الشركات في السعودية أن تتعلم من دروس الماضي والحاضر، وأن تبدأ جديا في أن تكون “الاستدامة” هي المنظومة الإدارية التي تبني عليها الشركات خططها للمستقبل.. أي عليها أن تتبنى الاستدامة كـ”الابن البار” الذي تستند إليه حين تحوطها الأزمات من كل صوب!
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734