3666 144 055
[email protected]
عضو معهد التقييم الكندي (AIC)
IbraheemAlsahan@
عندما أود القيام بتقييم عقار ما، فإن أحد المصادر المهمة في أيمنطقة هي المكاتب العقارية النشيطة و التي لها حضور بارز فيالسوق العقاري في المنطقة المستهدفة، اعتدت أن أزور مكتب الأستاذ محمد، وهو شاب يعمل في التدريس صباحا و يقتات من العمل في الوساطة العقارية في الفترة المسائية، كنت أستمتع بالحديث مع محمدنظرا لما يتميز به من خلال عمله كمدرس رياضيات بالتحدث بلغةا لأرقام، و تزويدي بالمبيعات التي تمت مؤخرا و تحليله الكمي لها، وكنت أحب تلكم القهوة (المحبوكة) التي يقدمها الأخ عبدو، و الذي يساعد محمد في تقديم الضيافة و الترحيب برواد المكتب، و قد يساعده أحيانا في تحديد مكان أرض معينة في المخطط في حال انشغال محمد مع عميل أخر.
بعد بضعة سنين احتجت لزيارة ذات المنطقة التي ينشط بها مكتب محمد العقاري، و اذا بي أرى أن نشاط المكتب توسع و العمل تحسن،و لكن ما لم أجد أنه في صالح نشاط المكتب هو تعيين عبدو كوسيط عقاري محترف في المكتب، وهو الذي لا يملك أي خلفية علمية أو عملية تؤهله لعرض سلعة العقار و التي تعد أغلى سلعة يمكن أن يقتنيها أي شخص. جلست مع عبدو و سمعته يتحدث مع صاحب أرض في الحي، و يعده أنه اذا استلم التسويق الحصري لها فسيبيعها بأعلى من السوق ب٣٠٪ و خلال مدة وجيزة، بل و يحلف و يقسم على أنه يستطيع الوفاء بهذا الوعد، أغلق عبدو الهاتف، و سألته كيف تعد صاحب الأرض بهذا المبلغ المرتفع و أنت تعلم أن السوق لا يحتمل هذه القيمة المبالغ فيها، و لكنه أجابني بثقة (نحن من يتحكم بأسعارالسوق)، و صدق بهذا الخصوص، لأن الوسيط العقاري في الحي هو المصدر الوحيد للمواطن الذي يجهل الكثير عن معلومات و بياناتالسوق العقاري.
نموذج عبدو و ممارساته المضللة هي حالة شاعت مؤخرا في سوق العقار، لا سيما لمن خاض غمار المجال و تعمق فيه، و لا أبالغ إن قلتأن المعلومات المضللة و الطمع (بالعمولة) من إتمام الصفقة، هي احدى المسببات الرئيسية في تشوه السوق العقاري و حدوث الارتفاعات المهولة فيه، و بالتالي إيهام المشترين من متوسط المواطنين بأن هذه هي الأسعار الطبيعية، بل تجد بعض الوسطاء يحلف أيمانا مغلضة كذبا بأن صفقة تمت بهذا السعر خلال الفترة القريبة الماضية، وبالتالي تجد أن الأسعار تتقافز خلال فترات بسيطة في منطقة ما دون أسباب واضحة، و اذا قسنا تلكم الممارسة على منطقة معينة فسنجدعند تعميمها، ارتفاعات غير مبررة و تضليل كبير على مستوى السوقالعقاري في السعودية ككل.
لا شك بأن سوق العقار و المهن المتعلقة به مهملة، و يرجع ذلك إلى عدم وجود جهة تنظيمية تتولى شؤون العقار و المهن المتعلقة به، فنجد أنبعض الأنظمة مسؤولة عنها وزارة التجارة و أخرى تحت مسؤولية وزارة الشؤون البلدية و القروية و ثالثة تخص وزارة العدل، و هكذا أصبحت المهن العقارية مهملة و هي التي من الممكن أن توفر آلاف الوظائف لشبابنا ذات مدخول مجدي، و ما يحتاجه السوق العقاريحاليا هو أن تتولى جهة حكومية أو شبه حكومية كهيئة أو جمعية،زمام الأمور و تضع الأمور في نصابها، و لا شك بأن هذا الإجراء يعدمتأخرا و لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، فالممارسات عالميا موجودة ومطبقة من عقود طويلة و يمكن استنساخها و تشكيلها بما يتناسب مع سوق العقار السعودي، و خير مثال على هذا ما تقوم الهيئة السعوديةللمقيمين المعتمدين، كجهة تهدف إلى الرقي بمهنة التقييم العقاري،فعالميا يمر الوسيط العقاري بمراحل تعليمية و عملية حتى يتمكن منإنجاز الصفقات العقارية و يحتاج إلى مراحل تعليمية متقدمة حتى يتمكن من فتح مكتب للوساطة العقارية، و الوساطة العقارية للمنتجات السكنية لها تصريحها و إجراءتها، و كذلك هو الحال لوساطة المنتجاتالعقارية التجارية و الصناعية و الزراعية، فكل وسيط متخصص في قطاع يعرفه و يفقه خباياه و يستطيع أن يقوم بالوساطة في أي صفقةتتم في مجاله بشكل محترف و يراعي حقوق كلا الطرفين سواء البائع و المشتري.
الخلاصة، أننا بحاجة إلى تنظيم المهن العقارية، بدء من الوساطة العقارية مرورا بوساطة الرهن العقاري، و انتهاء بإدارة الأملاك، بحيثينتظم الراغب في التأهيل المهني، ببرنامج دراسي يزوده بالمعلومات الأساسية عن الإقتصاد العقاري، و الرياضيات العقارية، و القوانين والأنظمة العقارية، و أخلاقيات المهنة، و منها ينتقل إلى تأهيل عملي لمدة معينة بحيث يستطيع بعدها الحصول على ترخيص المهنة بجدارةو ينجز مهامه بمعرفة و أمانة، و بذلك نتخلص من سلبية أن يكونالعقار مهنة من لا مهنة له، و من كثير من التضليل و التلاعب سواءبجهل أو سوء نية. و للتنويه فإن الشخصيات الآنف ذكرها هي منوحي الخيال و لكن الأحداث تعود لواقع عايشته.
الصحن
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734