3666 144 055
[email protected]
كاتب اقتصادي
A_ArRasheed@
لا أعرف موضوعا اقتصاديا أكبر أهمية وأقل اهتماما في اقتصادنا السعودي من موضوع التوزيع. فالتوزيع قرين الإنتاج، ولا تكتمل الأهداف الاقتصادية بتحقيق مستوى معين من الإنتاج ما لم تصل منافعه إلى مستحقيها وفق سياسة اقتصادية محددة وواضحة، وفي مقابل الأهمية الكبرى لموضوع التوزيع فإنه لا يجد الاهتمام الكافي في المملكة لا من الجهات الرسمية ولا من الأكاديميين والكتاب المتخصصين في الاقتصاد.
وأول مظاهر ضعف الاهتمام بالتوزيع في المملكة غياب الأهداف التوزيعية في خطط التنمية الخمسية، ثم انعدام البيانات الخاصة بتوزيع الدخل والثروة، الأمر الذي جعل البحث الاقتصادي في مواضيع التوزيع شبه مستحيل.
يستخدم الاقتصاديون مقاييس متعددة لقياس توزيع الدخل من أكثرها شهرة منحنى لورنز الذي يوضح العلاقة بيانيا بين مستويات الدخل (مقسمة إلى فئات) ونسبة الحاصلين عليها في اقتصاد ما. وللقيام برسم هذا المنحنى يجب توفر بيانات واقعية لمستويات الدخول للأفراد. والمقياس الثاني هو معامل جيني الذي تتراوح قيمته من الصفر (ويعني أن الدخل موزع بالتساوي بين كل الأفراد) إلى الواحد الصحيح (ويعني أن فردا واحدا فقط يحصل على كامل الدخل في الاقتصاد). وتسعى الدول عادة لتحقيق مستويات منخفضة لمعامل جيني تعكس عدالة أكبر في توزيع الدخل بين أفرادها.
ويأتي حرص واضعي السياسات الاقتصادية بالتوزيع لأنه من أهم عوامل تحقيق الشعور بالعدالة وبالتالي الاستقرار في المجتمعات، وكلما ساء وضع التوزيع في اقتصاد ما، زاد الاحتقان في المجتمع وأصبح أكثر عرضة للقلاقل.
ولئن كان التوزيع أحد المواضيع المهمة في أي سياسة اقتصادية فإن أهميته للسياسة الاقتصادية للمملكة أكبر، وذلك لأن السياسات الاقتصادية في الدول المتقدمة تتضمن آليات لإعادة توزيع الدخول الناتجة أصلا عن عمليات الإنتاج في القطاع الخاص، وذلك من خلال الضرائب والرسوم والإعانات والإعفاءات وغيرها من وسائل أدوات التوزيع، أما في الاقتصاد السعودي فإن الدخل يتولد أصلا من أصول تملكها الحكومة تتمثل بشكل أساسي من البترول، وكل دخل يتولد من غيرها معتمد بشكل مباشر أو غير مباشر على الدخل الحكومي. وهذا يعني أن التوزيع الأولي للدخول ينتج في الغالب من خلال الإنفاق الحكومي وبالتالي فإن الحكومة ومن خلال سياساتها الإنفاقية مسئولة وقادرة على تحقيق توزيع ابتدائي أفضل بالتوجيه الصحيح للإنفاق قطاعيا وجغرافيا واجتماعيا، دون الحاجة للتدخل لاحقا من خلال أدوات التوزيع الحكومية التقليدية.
أتمنى أن تشمل عملية الإصلاح التنظيمي للاقتصاد السعودي -التي نرى معالمها في الفترة الأخيرة- المزيد من الاهتمام بتوزيع الدخل والثروة، ولعل أولى الخطوات تكون في أن تتبنى الجهات المعنية بقياس أداء الاقتصاد والمعنية برصد البيانات الاقتصادية والتنموية (مؤسسة النقد، ووزارة الاقتصاد والتخطيط، والهيئة العامة للإحصاء) رصد ونشر بيانات تمكن المحللين من القيام بواجبهم في نقد الجهود التنموية وتوزيع مكاسب التنمية سواء على المستوى القطاعي والجغرافي أو على مستوى الأفراد. فالتنمية لا تفيد مالم تكن آلية التوزيع قادرة على نشر مكاسبها لتشمل قطاعات الاقتصاد على أكبر رقعة جغرافية، ومالم تحقق توزيعا عادلا للدخول على مستوى الأفراد. فأي خلل في التوزيع يحول التنمية من نشاط إيجابي إلى نشاط يضخ المزيد من الهواء في بالون الاحتقان الاجتماعي والسياسي، وقد يصل به إلى حالة الانفجار. كما أن للتنمية المتوازنة منافع اقتصادية تتعلق برفع كفاءة الاقتصاد الوطني وتمكنه من تحقيق شروط الاستدامة.
الرشيد
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734