ذكر وزير التعليم في منتدى التنافسية أن الوزارة تهدف إلى التوسع في التعليم الأهلي، ليصل إلى ربع الطلاب. لم يكن هناك تفصيل، ولكن التوسع في التعليم الأهلي جزء من عملية أوسع للتخصيص. يأتي هذا التوجه بعد عدة سنوات من ممارسة أكثر مرونة في دور القطاع الخاص في التعليم العام والتعليم الجامعي. انطلق من أن القطاع الخاص أفضل لإدارة الموارد من القطاع العام، ولكن هناك عدة تساؤلات حول تطبيق المفهوم على التعليم العام نظريا وعمليا. كما أن المقارنة وتقليد الدول المتقدمة أحيانا تكون مناسبة وغالبا غير مناسبة. لا تكاد في ندوة اقتصادية إلا وتسمع أن علل التعليم هي السبب في كثير من المشكلات الاقتصادية، وتأتي الحلول في غالبها وكأن التعليم ليس له علاقة بالحراك الاقتصادي، وكأن التعليم عامل خارجي نجلبه معلبا للقفز بالاقتصاد. التفاعل بين التعليم والاقتصاد في غالبه غير مباشر، خاصة لما يكون الاقتصاد يواجه تحديات في غالبها تنموي وهيكلي. في هذه المرحلة أرى أن التعليم “متلقٍ” أكثر منه فاعلا في العملية الإنتاجية، ولذلك هناك مبالغة كبيرة في دور التعليم مرحليا. التعليم الأهم في تعليم النخبة. في الندوة نفسها تحدث مدير جامعة جان هوبكنز البحثية الأمريكية، وذكر حاجة الجامعة البحثية إلى وسط وبيئة مؤسساتية، العلاقة بين الكلمتين وثيقة، وإن تحدثا في فضاء مختلف.
“تخصيص” التعليم مختلف عن المرونة في إنشاء مدارس خاصة متنوعة، وليس الموضوع هنا الحديث عن السياسات التعليمية، ولكن هناك ظواهر في المدارس والجامعات الخاصة تبعث على تساؤلات قبل التوسع في التخصيص. لأن التخصيص يحمل أيضا مخاطر قد تكون أكبر من الفوائد المرجوة منه. أحد المفاهيم الخاطئة أن أفضل الجامعات الأمريكية خاصة مثل “هارفرد” و”ستانفورد” وغيرها أن هناك مدارس خاصة متميزة بسبب التخصيص. ولكن ما نغفل ذكره أن هذه الجامعات لا تهدف إلى الربح، بل إن هناك جامعات ضعيفة في أمريكا تهدف إلى الربح. “هارفرد” وغيرها لا تقوم على الرسوم المدفوعة من أهالي الطلاب، ولكن على التبرعات وإدارة أوقاف الجامعة، ومقابل ما تقوم به من أبحاث. الجامعات الخاصة لدينا تهدف إلى الربح، وبالتالي لديها الاستعداد لقبول الطلاب غير المقبولين “وبالتالي الأقل تأهيلا” في الجامعات الحكومية في كليات طب وطب أسنان وقانون وغيرها من التخصصات. جامعات تهدف إلى الربحية على حساب الكفاءة والموثوقية في التأهيل. ظاهرة أخرى أن معلمي القطاع العام “الذين من المفترض أن يكونوا أقل كفاءة” يحصلون على رواتب أعلى من غالبية معلمي المدارس الخاصة “التي من المفترض أن تكون أفضل تعليميا”.
من يبحث عن جامعة أو مدرسة خاصة متميزة يجد أن هناك صعوبة لأسباب كثيرة. الأسباب معقدة، ولكن النموذج الاقتصادي يفرض ممارسات ضد القياس والتدرج في العلاقة بين التكلفة والقيمة والمنافسة الصحية. أحد إرهاصات الممارسة أن الربحية في التعليم وخاصة التعليم العام لا تتماشى مع الاستحقاق التنموي اقتصاديا واجتماعيا. لا بد للتعليم العام أن يأخذ بعدا عاما حقيقيا وعلى درجة مقبولة من التساوي في الكفاءة والتأهيل. حيوية التعليم العام خاصة عامل مهم للنهضة التنموية كما حدث في إيرلندا وحتى في تجربة المملكة في بداياتها. بل إن الممارسات اليوم أعطت تخصيص التعليم صورة مشوهة، وجعلت المتاجرة والكسب أحيانا نواحي غير أخلاقية، إذ أبلغني أحد مديري المدارس الخاصة الكبيرة أن المعلمين يقدمون دروسا خصوصية لطلاب مدرستهم الخاصة، أي أن المدرسة خصصت جزءا من المخصص في دائرة لا نعرف فيها البداية من النهاية. علينا الحرص في تأسيس نماذج جديدة قد لا تخدمنا. الحكومة تصرف مليارات ولا أحد يشك في النوايا، لكن علينا التفكير مليا وفهم التأثيرات غير المباشرة قبل المباشرة في الحديث عن تخصيص التعليم. قد يكون من المناسب البحث في تجربة ما يسمى بالمدارس المستقلة.