3666 144 055
[email protected]
أذكر انني تطرقت في مقال سابق عن ازمة غياب الشفافية المالية في الاندية الرياضية السعودية وتشتتها في المرجعية الادارية والملكية وكيف ان كل ذلك قد يكون نذير خطير بمستقبل اكثر تدهورا للجانب الترفيهي الاكثر متابعة داخل المجتمع السعودي.
نقطة البداية تكون في تحديد الجهة المالكة حقيقة للاندية هل هي المجلس الشرفي ام هي منشآت حكومية (تابعة للرئاسة العامة لرعاية الشباب)؟. نظاما هي تابعة للرئاسة تنفيذا لدورها المقصود بدءا في رعاية الشباب ولكن تنظيميا وواقعا مصيرها واستيراتيجياتها متعلقة بالمجلس الشرفي وقدرته على السيطرة على شكل ادارة النادي من خلال الدعم والمساندة. اما الرئاسة فهي تمثل دور الأب الحنون الذي يتدخل فقط وقت الازمات حين تحتدم وتعصف بكل مكتسب.
مرت أزمات مالية عدة دون تمحيص صادق او تفاعل واضح والسبب ان الاندية هي اسيرة الفكر الاداري والشرفي الذي لا يمانع الدمدمة على المخالفات وتمريرها طالما انها لا تعصف به كجهاز اداري او عضو شرف ولا تعارض توجهاته و رغباته الشخصية.
ليست المشكلة في حجم الديون الكبير الذي تجاوز حاجز 500 مليون ريال للاندية الخمسة (الهلال، الشباب، النصر، الاتحاد، الاهلي)، المشكلة برأيي تتمركز حول غياب التنظيم الاداري الواضح (وان كان متطلب للحصول على الرخصة تحت لائحة تراخيص الاندية) الذي جعل من امر المراجعة والتدقيق المالي امرا صعب الحدوث بشكل مستقل وامين فلا الجماهير ولا المجلس الشرفي يملك الحق والسلطة في المساءلة والرقابة (رغم كون التقارير المراجعة اليوم متطلب تحت لائحة تراخيص الاندية الا ان الجهة المهتمة والمستفيدة من تلك التقارير غير واضحة).
وبرغم ان الاندية مطالبة تحت لائحة التراخيص ايضا بأن تقدم تقارير عن حالتها المالية المستقبلية الا ان الاداري المتطوع يظل أسير التفكير المرحلي فهو يعلم ان كل ما عليه فعله واقصى ما يجب ان يركز عليه مرحلته الادارية فيبرم العقود طويلة الاجل ويوافق على الشروط الجزائية الفلكية ويمارس كل ما بدا له باسم ذلك النادي وليس هناك جهة رقابية لها الحق في مساءلته ومناقشته (بل أشك ان احدا اهتم بذلك دون ازمة ). وبعد ان تحدث الازمة تأتي الجهة الحكومية للدمدمة والاداري يخرج من المشهد منتصرا بتحقيق رغباته الشخصية من شهرة وعلاقات والنادي يبقى عبئا على الجهة المالكة نظاميا لحل ازمته وتلافي اي اشكالات تُعرض الرياضة السعودية بالكامل للحرج.
العمل على الشفافية المالية وتحقيق الاحتراف الحقيقي غير مكتمل (وان كان متطلبا نظاميا منصوص عليه في اللوائح) ولن يكتمل حتى يتضح نظاميا من يجب ان يكون مهتما بمصير هذا النادي. فإن كانت المجالس الشرفية للاندية احد الجهات المهتمة ذات التأثير وتملك الدور والسلطة، فالانظمة الصادرة لتنظيم تلك المجالس الشرفية تحتاج التحديث واعادة الصياغة لتواءم دورها الرقابي الهام. فبدلا من أن تكون عضوية المجلس الشرفي مبنية على الاهواء الشخصية والعلاقات الاجتماعية لابد ان تكون مبنية على اسس نظامية واطر قانونية تكفل للنادي حقوقه وللعضو ايضا حقوقه. فما يحدث الآن ولا زال يحدث يتناسب مع مرحلة الهواية وليس الاحتراف.
احد الأمثلة على تدخل الرئاسة وقت الازمات مما يجعل الخيارات والحلول امامها اضيق مما تتصور هو موافقة الرئاسة العامة لرعاية الشباب لناديي النصر والهلال بالاقتراض من البنوك لمواجهة ازمة الديون الخارجية حتى لا تتعرض تلك الاندية الى احكام دولية قد تكون قاسية ليس فقط عليها وانما على المشهد الرياضي عموما. قبل هذه القضية سبق وان تدخلت الرئاسة في مشكلة نادي الاتحاد المالية قبل سنتين تقريبا وبعد كل هذا يبقى السؤال هل كانت التدخلات تمثل حلول جذرية ام هي مجرد مسكنات.
الاقتراض ليس مشكلة بحد ذاته لكن المشكلة هي عدم قدرة الاندية على مواجهة هذه الديون والالتزامات خصوصا وانها تزداد تضخما مع الوقت للاسباب التالية:
– ضعف حجم الايرادات المالية للاندية وقدراتها الاستثمارية فكريا ونظاميا
-عدم الكفاءة الادارية الذي يؤدي الى قرارات ادارية غير سليمة تنتهي بغرامات وشروط جزائية فلكية
-عدم وضوح حجم وتوقيت التدفقات النقدية الداخلة الى الاندية
-عدم وجود رقابة مالية وادارية تعزز من الشفافية وتقلص من حالات الهدر الناتجة من غياب الكفاءة الادارية
-سلامة ذمة مجالس ادارة الاندية من اي تبعات مالية وقت الخروج
من المشاكل الاضافية ان الرئاسة العامة لرعاية الشباب والاتحاد السعودي لا يكتفيان بعدم الاهتمام القوي بعملية الرقابة على الحالة الادارية والمالية للاندية بل يزيد من ذلك بتضييقهما على تلك الاندية من الناحية الاستثمارية في بعض الحالات. فالاندية ليست حرة في خياراتها الاستثمارية بشكل كامل، فاهم مصادر الدخل للاندية الرياضية عالميا هو عقود النقل التلفزيوني وتذاكر المباريات ولك ان تعرف ان عقد النقل التلفزيوني لا يتم وفق ما ترغب الاندية وانما وفق ما يرغب الاتحاد او الرعاية (فعقد شركة MBC الاخير كان مثار جدل بعد أن اعلنت اكثر من جهة تقديمها لعروض اعلى واقوى). يضاف الى ذلك عدم قدرة الاندية ذاتها على فتح قنوات تلفزيونية تخصها وتحمل شعارها وتملك من خلالها الحق في التسويق والاعلان والاستثمار. اما تذاكر المباريات فايضا هي لم تعزز بالشكل المطلوب فملاعب الاندية لا تزال محدودة الاستيعاب ضعيفة الامكانات الحديثة غير قادرة على ان تكون مكانا مناسبا للمناسبات الرياضية المحلية والاقليمية بالمعايير الحديثة فيكون الخيار دائما هو الملاعب التي هي ملك الرئاسة ولا تخضع لادارة تلك الاندية.
ومن جانب اخر يظل ما يقدم من خدمات داخل تلك الملاعب ليس بمحفز ابدا لحضور مكثف يزيد من دخل الاندية. نعم نملك بعض الملاعب التي هي تحف عمرانية لكنها للاسف بإدارتها الحالية لا زالت غير قادرة على مقابلة متطلبات المرحلة الحالية (فمثلا لا زلنا غير قادرين على منع او الحد من التدخين داخل اروقة الملعب او تقديم وجبات غذائية ملائمة او ترقيم وترتيب للمقاعد داخل الملعب او تنظيم وصول الجماهير الى الملعب مروريا او توفير مواقف مناسبة وأمنة للسيارات … الخ).
اليوم المشجع الرياضي يستطيع التمييز جيدا بين ما يقدم من اجتهادات داخل الملاعب المحلية وبين ما يشاهده او يشهده في الملاعب والمنافسات العالمية. خصخصة الاستادات الرياضية قد تكون حلا ملائما لتطوير الخدمات داخل تلك المرافق وايضا ايجاد تجربة عملية لفكرة الخصخصة في الواقع الرياضي قبل الدخول فيها بشكل اكبر (حسب ما يتردد كخطة مستقبلية).
يمكن القول ان نسبة دخل الاندية المحلية الى ديونها ضعيفة فحجم دخل الاندية جميعا من عقود النقل التلفزيوني والرعاية لمسابقة الدوري حوالي 530 مليون ريال في السنة (410 مليون نقل تلفزيوني و120 مليون رعاية للدوري) وحجم ديون خمسة اندية فقط جاوز 500 مليون ريال (السؤال كم يطال كل نادي من تلك العقود؟وما هو اسلوب التوزيع؟ وهل تستلم الاندية حقوقها في الوقت المطلوب؟ هل تملك الأندية الحق في المطالبة بحقوقها المالية من شركات النقل التلفزيوني والرعاية قانونيا؟…الخ).
المشكلة انك حين تبحث عن حالة الاندية المالية تكون قادر على تحديد حجم الالتزامات والديون بشكل دقيق نوعا ما لكنك حتما تفقد المعلومة حول حجم دخلها. تبرعات اعضاء الشرف ليست هي الطريقة الوحيدة او الافضل، اي نعم كل اندية العالم تعتمد على تبرعات (او قروض بلا فوائد) مقدمة من قبل الاعضاء الشرفيين او المساهمين لكن الاندية المتقدمة عالميا تظل اكثر قدرة على توليد دخل ليس بيسير يجعلها اكثر قدرة على مواجهة ديونها المتزايدة.
توهم وحصر كل الحلول في قضية الخصخصة ليس حلا صادقا كما يبدوا. فالخصخصة تحتاج الى واقع رياضي مناسب لتطبيقها اما مجرد تطبيقها دون عملية تحضير فعليه وواضحة فهو امر فوضوي سيكلف الكثير. فمن سيحدد الشركات القادرة على التقدم لامتلاك الاندية هل هي الرئاسة ام المجالس الشرفية ؟وما هي الأصول التي سوف تكون محل الاستثمار ؟ هل سيسمح للشركات الاجنبية بالاستثمار؟ هل ستحافظ الرياضة على شعبيتها ام ان تكلفتها ستكون باهضة على الطبقة الدنيا بدخول الشركات الهادفة للربح في المجال؟ ’هل ستظل متطلبات التوطين الرياضي ام ان رغبات تلك الشركات ستحتم تغيير النظرة؟ هل اللوائح والكفاءات الادارية المنظمة للرياضة قادرة على حماية حقوق اللاعبين والاندية والمستثمرين؟ هل المركز المالي للاندية اليوم مشجع ومحفز لقطاعات الاستثمار للاستثمار في تلك الاندية؟ …الخ من القضايا والاسئلة الجوهرية.
خاتمة: بعد أن ظلت ازمة الديون المتزايدة لدى الاندية المحلية تطل بعنقها في كل مرة وفي كل سنة هل ستدفع هذه الضغوطات المالية الاجهزة الادارية والجهات الرقابية المنظمة لمجال الرياضة الى اعادة صياغة المشهد؟ ليكون اكثر قوة ومناعة ازاء الازمات المالية والانتقال من حالة الطوارئ والعشوائية الى حالة اكثر استقرار مالي واداري يسهم في بناء مستقبل افضل ماليا واداريا بل وفنيا للاندية السعودية.
النفيسه
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734