3666 144 055
[email protected]
الأمين العام لـ مؤسسة سعفة القدوة الحسنة
ذكرت في مقال سابق أن تمويل إحياء، وتنمية، وتطوير الأوقاف، وتعبئة الموارد المالية لذلك كان و لازال أحد أهم التحديات التي واجهها قطاع الأوقاف في جميع أقطار العالم الاسلامي، مما أدى إلى تعطيل بعض الأوقاف،و حال دون تنمية بعضها.
وقد أدى ذلك إلى عدم وضعها في السياق الاقتصادي التنموي المستدام الذي يتسق مع المفهوم الشامل للوقف، والذي يهدف إلى زيادة التدفقات النقدية الناتجة عن الأعيان الموقوفة إلى الحد الأقصى الممكن، وزيادة مجموع التراكمات الرأسمالية للأعيان الموقوفة مما يساهم في توسيع الطاقة الانتاجية للاقتصاد.
أرى أن مشكلة تمويل تنمية الأوقاف و تطويرها ، لزيادة عوائدها و ضمان استدامتها ، هي نتيجة طبيعية لجمود فقه الوقف في العصر الحديث ، و عدم مواكبته للتطورات الاقتصادية الاجتماعية المتسارعة، والطفرة التي طالت الأنظمة المصرفية الحديثة – بشقيها الاسلامي و التقليدي – و مانتج عنها من ابتكار منتجات تمويلية مختلفة ، وأوعية استثمارية – جماعية و فردية – بأغراض متعددة.
يتجلى جمود فقه الوقف في معظم الاطروحات الاكاديمية والمؤلفات الحديثة التي تناولت تمويل تطوير الأوقاف أواستثمار الأعيان الموقوفة، فهي لاتزال تناقش أدوات و صيغ تمويل و تنمية قديمة لا تناسب مستجدات العصر كالحكر ، أو تعيد سرد الصيغ التمويلية الفقهية المعروفة كالاجارة،والمرابحة، والاستصناع،والمزارعة، وغيرها، من زاوية نظرية مفاهيمية بحتة، في رؤى مكرورة مستخرجة بالنص من بطون مراجع فقهية كتبت قبل قرون عدة،مما أدى إلى اتساع الهوة بين تشريع الأوقاف وأراء الفقهاء حولها من جهة، و التطبيق الذي يمثله الواقفون أفرادا ومنظمات، ومؤسسات مالية من جهة أخرى.
هذا، و قد حققت المصرفية الاسلامية على مدارالعقود الخمسة الماضية نقلة نوعية وتطورا مميزا في الاجراءات والأنظمة،والمنتجات التمويلية و الاستثمارية للافراد و المنظمات ، ولم يكن ذلك ليحدث لولا الحراك الفقهي النابض بالحيوية ، و تعدد الأراء،والانفتاح على النظام المصرفي التقليدي ،والتقاط منه ما يتناسب و فقه المعاملات الاسلامية.وهي تجربة تستحق أن تسترعي انتباه القائمين على تطوير و تنظيم قطاع الأوقاف، خاصة و أن الصيغ الفقهية التي نظر لها الفقهاء لتمويل تنمية وتطوير الأوقاف هي ذات الصيغ التي تستخدمها المصارف والمؤسسات الماليةالاسلامية في منتجاتها التمويلية والاستثمارية.
كما ينبغي على مراكز الأبحاث و الدراسات الوقفية، ومنظمي مؤتمرات الأوقاف و سائر الفعاليات المتعلقة بها أن يتخذوا خطوات عملية فيما يتعلق بآليات و أدوات تمويل تطوير الأوقاف واستثمار الأعيان الموقوفة عسى إن فعلوا ذلك أن يجسروا الهوة بين الفقهاء والممارسين.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734