الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في خطوة تمهد بها هيئة الرياضة الى مشروع الخصخصة المقترح والذي بات وشيكا حسب ما يعلن ويطرح، قامت الهيئة بطرح مسودة للائحة حوكمة الاندية السعودية. أنا لا أرغب هنا الى تقييم المسودة بتفاصيلها او تقديم قراءة تفصيلية للمسودة وانما هنا سأتعرض الى نقاط رأيتها هامة ورئيسة الى مناخ افضل لصناعة مستقبل افضل للرياضة ماليا واداريا. قبل الدخول في مناقشة تلك النقاط، يجب علينا ان نفهم ونعي كمجتمع ان المصطلحات المهنية و العلمية لا تعني شيئا دون واقع يعكسها و ادوات تبرهنها. فتواجد لوائح الحوكمة و أهداف الشفافية والافصاح الشامل والبنود الرقابية الاجرائية لا يعني شيئا ولا يحقق واقعا افضل بل هو فقط يشعرنا بالرضا النفسي باننا قد فعلنا شيئا. حتى الاستيراد للمفاهيم و المصطلحات النظامية ان لم يكن موائما للواقع والبيئة يكون تشويها و تعقيدا للمسائل اكثر من كونه حلا ناجحا.
فمثلا الاحتراف او الاحترافية كمبدأ جميل المعنى و الهدف لكنه حين تم تطبيقه لدينا في الوسط الرياضي كان تطبيقا أعوجا وظل كذلك حتى هذه اللحظة بين نتائج منتخب وطني متراجعة و عراك اعلامي حول الانظمة واللوائح الغامضة. لذلك قبل نقاش مسودة الحوكمة وجب التأكيد على أهمية تحقيق معاني المصطلحات المهنية لتكون فعلا فعالة لتغيير الواقع المراد اصلاحه فشعار الخصخصة المرفوع يظل حلما يحمل بين جنباته كابوس الانظمة الهشة والمزاجية الادارية والازدواجية التنظيمية.
الجمعية العمومية ولائحتها تعتبر الروح في جسد هذه المسودة فجميع الاجراءات الرقابية الفعالة تنطلق من فعالية هذه الجمعية وتكوينها. فمن يُكّون الجمعية ومن يحدد المستحق للانظمام لها؟ لا تزال هذه الاسئلة عائمة في ظل تقلب الهيئات الشرفية ومزاجيتها في تنظيم الاندية واداراتها في حين ان المعيار الاساس تغيب عنه معايير الكفاءة والمهنية بقدر ما يرتكز على المعرفة و الميول الرياضية وقبل ذلك العلاقة الشخصية التي هي مبنى الثقة.
فالمسودة تعطي الجمعية الدور الرقابي الاداري والمالي على اعمال مجلس الادارة وتنظيمة وايضا تلزم مجلس الادارة بأن يكون مسئولا امام تلك الجمعية عن قراراته وخططه واعماله الادارية والمالية. دون اي نقاش وبناء واضح و معايير نظامية سليمة سيصعب تحقيق وجود الجمعية العمومية الفعالة ومن ثم تصبح هذه المسودة وما ستصل اليه في النهاية من تنظيم بلا فعالية. وهذه النقطة تعتبر مفصلية ما اذا اخذنا في الاعتبار نوايا التخصيص المستقبلية. فكيف لنا ان نتوقع الدور الرقابي للجمعية العمومية للنادي دون وضوح لماهية الجمعية وظروف تكوينها و انظمة اجتماعها و في ظل عجز الجمعيات العمومية الحالية (ان عقدت بشكل اعتيادي ) من ممارسة اي دور رقابي هام في مسار الاندية الرياضي والاداري. ولنا في مشاكل نادي الاتحاد المالية ابرز مثال حيث غابت في تلك المشاكل الشفافية والافصاح وايضا غاب عنها المسائلة والرقابة ولم يكن للجمعية العمومية لنادي الاتحاد الدور الملموس في حل تلك القضايا او حتى تحديد ظروف تكونها. ايضا في حالة تغير الادارات في الاندية وانتقال السلطة والصلاحية من ادارة الى اخرى يغيب بشكل واضح دور الجمعية العمومية في ظل الهيمنة لما يسمى بمجالس الهيئات الشرفية التي لها شروطها التنظيمة المختلفة عما يسمى بالجمعية العمومية في اللوائح التنظيمية وان تم ادعاء وجود الموائمة.
وتماشيا مع الدور الرقابي للجمعيات العمومية تتطلب المسودة من مجالس الادارة ان تكون مستقلة و يكون اعضاؤها مسئولين بالتضامن عن التزامات النادي متى ماثبت حالة الاهمال والتفريط وهذا الامر يعتبر فضفاضا جاعلا لاحتمالية تحمل المسئولية من جانب مجلس الادارة ضئيل حيث سيكون اثبات التفريط والافراط محل نقاش وتقدير شخصي وهذا سيصبح مجالا واسعا لاستمرار ممارسات التفريط (كلائحة تحديد سقف عقود اللاعبين)، وهذا الاشتراط سيتسبب قطعا في احجام عدد ليس بيسير من الراغبين في العمل في الاندية الرياضية عن العمل مما قد يؤدي الى ان يسند الامر الى غير اهله (وهذا طبعا قياسا على الواقع الحالي الذي تكون فيه مجالس الادارة مشكّلة بشكل عشوائي وتكون صبغة التطوع هي الغالبة على المشهد).
الجمعية العمومية التي ارادت اللائحة تعزيز دورها في المجال الاداري والتنظيمي تحتاج الى دراسة مستفيضة والى تنظيم شديد يمنع حالات الوصاية التي تمارس حاليا في الاندية، لابد ان تكون جمعيات قوية تغيب معها التكتلات الشخصية التي تعرف بالمجالس الشرفية. فما يشهده الواقع الحالي بعيد جدا عن تعزيز دور الجمعيات العمومية فلا تزال الاندية تشهد الاسقاط للعضويات والانتماءات وفق رغبات المجالس الشرفية ولا تزال الاندية تعيش الوصاية الشخصية على قرارات ومقدرات الاندية وفق اهواء مجالس الادارة ومن تنتمي له من تكتلات شرفية. فلابد ان تكون هناك نقطة فصل توضح ماذا كانت الجمعية العمومية المقصودة هي ما يسمى بالمجلس الشرفي او نوع اخر.
فالحديث عن دور رقابي فاعل للجمعيات العمومية في الاندية يستدعي الحديث عن حال الجمعيات العمومية في الاتحادات الرياضية التي هي مسئولية الهيئة الرياضية بشكل مباشر صراحة او ضمنا هل هي جمعيات حيوية وتعمل وفق اللوائح او انها هي تعاني من المزاجيات وضبابية الانظمة. سهل جدا ان نبي عالما ورديا بنصوص ولوائح نظامية ولكن الصعب والاكثر اهمية هو اسقاطها على الواقع. وعملية الاسقاط على الواقع هذه تدعونا الى طرح سؤال هام وهو هل الهيئة العامة للرياضة قادرة بكوادرها الحالية على جميع الاصعدة الى احداث النقلة في الواقع الاداري بالاندية ليكون بيئة جاهزة لخصخصة ناجحة ومستقبل رياضي افضل ؟؟!! حين تنظر الى حال الاتحادات الرياضية وكثير من المنشآت الرياضية تعود لتفكر مليا في امكانية وقدرة الاجهزة الرياضية الادارية على صناعة مشهد افضل مالم يكن هناك تطور حقيقي على الصعيد البشري والمهني قبل اللوائح والانظمة فلا يزال هناك عجز في الكفاءات برايي طالما ان مقياس الاستقطاب لا يزال حبيس فكرة الميول والخبرة الرياضية في الاندية.
تحدثت اللائحة عن اصحاب المصالح الذين سيكونون محل الاهتمام في اعداد ومراجعة التقارير السنوية المالية وغير المالية وغاب عن تعريف هذه الفئة جماهير الاندية التي تعتبر بمثابة احد اهم الفئات المهتمة بالاندية وايضا اعضاء الجمعية العمومية الذين لهم ايضا مصالح في الاندية، فالعجيب ان اللائحة في تعريفها لاصحاب المصالح ركزت على عبارة المهتمين بالنادي ثم فسرت ذلك بامثلة لم يكن من ضمنها لا الجماهير (كاهم رافد استثماري) و ايضا اعضاء الجمعية العمومية وان كانوا سيراقبون على عملية التقرير الا انهم في النهاية اهم الفئات المهتمة وصاحبة العلاقة.
حاولت اللائحة بذلك ان يكون اصحاب المصلحة مصطلح معزول عن مصطلح الجمعية العمومية لجعل ذكر الجمعية اكثر وضوحا وابرازا ولكن هذا يوحي ضمنا باستبعاهم من مضلة الفئات المهتمة بشأن النادي. وتحديد ماهية اصحاب المصلحة امر هام جدا تتحدد به التقارير المالية والغير مالية السنوية.
ركزت ايضا اللائحة على معايير اختيار اعضاء مجلس الادارة والمحاسب القانوني والقواعد السلوكية المشتملة على تجنب حالات تعارض المصالح التي لم تعرج اللائحة في نصها على ماذا كانت الميول الرياضية احد مجالات تعارض المصالح من عدمه؟ حيث توقفت اللائحة عند وصف بان لا تكون هناك مصلحة مباشرة أو غير مباشرة كمصالح شخصية وطالما ان المحاسب القانوني واعضاء مجلس الادارة ما هم الا وكلاء لاصحاب المصلحة لممارسة الادوار الادارية والرقابية فيلزم ان تكون مصلحة النادي او مصلحة اصحاب المصلحة هي المقدمة قبل اي مصالح ذاتية (وقد تكون في عرف الوسط الرياضي الانتماءات الرياضية من المصالح الشخصية).
حال الجمعيات العمومية في الاندية في تقرير نشرته صحيفة الرياض في 16 فبراير 2017، يشير الى نقاط رئيسة هي عدم فعالية تلك الجمعيات وعدم انعقادها بشكل اعتيادي. فذكر احد المستجوبين في التقرير ممن سبق له العمل في الاندية ان مثلا مجالس الادارة تقوم بتهيئة الجمعيات على النحو الذي تريد من خلال تكتلات معينة ومجالس الجماهير. والمطلع على التقرير يستشف جليا حجم العبثية والفوضوية في ادوار تلك الجمعيات وغياب دورها وانها مكون لوائحي تنظيمي أوجدته الانظمة وتركته يتيما فان عقد فهو يعقد للالتزام بالانظمة على نحو شكلي. ولهذا أرى بان المسودة المطروحة قاصرة و غير مؤدية الى مستوى رقابة اعلى ولا الى شفافية اكبر طالما انها متعلقة بفعالية الجمعيات العمومية. وفي ظل قراءة المشهد الحالي لا تزال المجالس الشرفية هي المحرك الرئيس للاندية وبالتالي الجمعيات العمومية ستظل باهتة وبلا ادوار وايضا لا تزال بعض مجالس الادارة في الاندية تملك السطوة والصلاحية والوصاية ما تكون به اجتماعات الجمعية العمومية منصة لطرح الرؤى الادارية منتهية بالتصفيق والحفاوة لا المناقشة والمسائلة.
ختاما: المسودة طرحت عددا من النقاط التنظيمية الهامة واهمها قطعا تحديد ماهية المكون التنظيمي للاندية الرياضية و محاولة تعزيز الشفافية والافصاح ولكن يبقى دور الجمعيات العمومية المحك الرئيس والذي برايي يتطلب استطالة وتفصيل او حتى مراجعة للائحة الموجودة لتكون اكثر فعالية وتوائم مع المستقبل المأمول والمسودة المعدة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال