الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لم تكن كلمة المملكة في الاجتماع الوزاري الاستثنائي لمجموعة العشرين والتي نقلها سمو وزير الطاقة – الأمير عبد العزيز بن سلمان – لمن حضروا الاجتماع الافتراضي فقط ولكن للعالم أجمع. الاجتماع – الذي عقد البارحة كان بالفعل استثنائيا لوزراء الطاقة في دول مجموعة العشرين. فعلى سبيل المثال، لأول مرة نرى النرويج حاضرة. وأيضا حضر المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة والذي شكره سمو وزير الطاقة السعودي لالتزامه بدعم الأهداف المشتركة. وهذه لم تحصل لا في تاريخ “أوبك” ولا في تاريخ الوكالة.
شرح سمو وزير الطاقة بكل وضوح أثار جائحة فيروس كورونا على اقتصاد العالم وأسواقه وقبلها على المنظومة الصحية والتي أدخلت العالم في حالة فوضى مقلقة جدا. وما سببته هذه الفوضى من انعكاسات سلبية على الكثير من القطاعات التجارية والصناعية والاستثمارية خاصة في قطاع الطاقة. مما يعني أن الطاقة العالمية في خطر حقيقي لا بد أن يستوعبه الجميع.
ووضح ما يمر به العالم اليوم والذي لا يمكن لاحد أن ينكره. مما يستدعي التحرك بما يساهم في تعافي الوضع وخاصة الاقتصادي. وهنا تكون مسئولية إيجاد الحلول الناجعة لهذا الغرض على عاتق منظومات الطاقة العالمية جميعا.
بعدها، أعلن سموه أن الدول التي شاركت في اجتماع “أوبك+” في الليلة السابقة قد أكدوا على التزامهم ليس فقط بتحقيق الاستقرار في أسواق النفط ولكن أيضا المحافظة على هذا الاستقرار. ولإعادة التوازن للأسواق، فإن الأعضاء اتفقوا – ما عدا المكسيك التي لم توافق حتى لحظة انعقاد الاجتماع – على وضع جداول التعديلات لتخفيض الإنتاج ابتداء من 10 ملايين برميل يوميا. وتتبعها تعديلات إضافية تستمر حتى شهر ابريل من عام 2022 بكل عدالة ومساواة وشفافية وشمولية.
والسؤال هنا: ما الذي حصل؟
الإجابة في أبسط أشكالها هي أن رؤية المملكة – آخر المطاف – هي النافذة. وما نتج عن هذه الرؤية نستطيع أن نراه في خمس مشاهد هامة:
المشهد الأول
لم تصمد المكابرات أمام رؤية المملكة في ضرورة الالتزام المشترك تجاه استقرار أسواق النفط وحماية الاقتصاد العالمي من أي اضطراب مستقبلا. وما كان اجتماع “أوبك+” ليكون لو لم تتلقى المملكة تأكيدات بالالتزام المطلوب من كل الأطراف ذات العلاقة بالتعاون من خلال مشاركة جادة في تخفيض الإنتاج. بعد ان لسعت نيران الأسواق الحرة – في ظل انخفاض الطلب بسبب الوباء – أقدامهم والتي حذرتهم المملكة منها.
المشهد الثاني
لأول مره في تاريخ اجتماعات منتجي النفط نرى أطراف كبيرة من خارج “أوبك” يشاركون مثل النرويج والولايات المتحدة وكندا والمكسيك. في اجتماع بنجاح تاريخي يقوده سمو وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان.
المشهد الثالث
من أهم ما حصل هو وبعد كل الانكار لحقيقة أن جائحة فيروس كورونا وانخفاض الطلب على الخام كان السبب الرئيس فيما حصل لأسواق النفط، أكد الرئيسان الأمريكي والروسي في مكالمة هاتفية – بعد الاجتماع – أن الجائحة هي السبب. واتفقا على التواصل والتنسيق المستمر فيما بينهم لضمان استقرار الاسواق. مما أكد على مصداقية المملكة عندما دعت لتمديد وتعميق اتفاق التخفيض في اجتماع فينا في مطلع مارس المنصرم والتحذير من تبعات الوباء على الأسواق والطلب.
المشهد الرابع
وعندما تمسك منتج النفط الصخري في الولايات المتحدة سلوك السوق الحر والإنتاج عند أقصى حد ومحاولة الحفاظ على حصته السوقية، خسر في أول جولة له في سوق متأثر بالوباء. فكان الموقف الأمريكي الذي اظهر جدية في مرونة موقفه ولأول مره في تاريخ صناعة النفط. وصرح وزير الطاقة الأمريكي بأن الولايات المتحدة ستخفض انتاجها بنحو مليونين برميل تدريجيا وربما يصل الى ثلاثة ملايين. مما أسقط تهمة التآمر على منتجي النفط الصخري في أمريكا.
المشهد الخامس
وبعد أن اعترت أسواق النفط العالمية تقلبات حادة بسبب جائحة فيروس كورونا، خرجت علينا بعض الابواق الإعلامية المشبوهة بأن ما حصل كان حرب أسعار بين المملكة وروسيا. وان العلاقة بين البلدين تتدهور. متناسيين تماما عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين والتي تمثلت في توقيع حزمة كبيرة من اتفاقيات التعاون المشترك ومشاريع استثمارية في مجال الطاقة في منتصف أكتوبر 2019 في العاصمة الرياض وبحضور خادم الحرمين الشريفين والرئيس الروسي. وقد أبدا الجانب الروسي في الاجتماع تمسكه بمنظومة “أوبك+” واستجاب لاتفاق التخفيض. مما أسقط اتهام حرب الأسعار أو تدهور العلاقات.
المملكة التي حملت على عاتقها المسئولية الأثقل لاستقرار أسواق النفط العالمية – بحكمتها ومصداقيتها – استضافت خلال اسبوعين قمة العشرين الافتراضية على مستوى قادة الدول لمواجهة تداعيات كورونا. ثم ترأست قمة “أوبك+” لإعادة التوازن لأسواق النفط، وترأست كذلك قمة العشرين على مستوى وزراء الطاقة.
ما تقوم به المملكة من حراك دولي لا يعكس فقط دورها المؤثر على الاقتصاد العالمي، ولكن أيضا ثقة شعوب ودول العالم فيها كصمام الأمان الذي يستمع لها ويثق بها، وان شاغب بعض منتجي النفط قليلا في البداية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال