الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تتساءل منظمة “أطباء بلا حدود” عام 2020 عن سبب وفاة أعداد كبيرة من النساء بسرطان عنق الرحم. وتضيف بأن 311,000 امرأة تقريباً قد لقوا حتفهم – خلال سنة 2018 – بسبب سرطان عنق الرحم، علماً أن أكثر من 85 بالمئة من هؤلاء النساء كنّ يعشن في بلدان ذات دخل منخفض ومتوسط. كما شهدت السنة ذاتها تشخيص 570,000 إصابة جديدة بهذا المرض. بل تتوقع (د. سيفيرين كالويرتس، طبيبة نسائية) أن يرتفع هذا الرقم خلال الأعوام المقبلة، غير أن العالم لا يزال صامتاً إلى حد بعيد فيما يخص هذه الوفيات!
في هذا السياق، نأتي على حالتين وقعتا في انجلترا في 2013 لسيدتين قضت إحداهما نحيها والأخرى تنتظر بسبب إهمال طبي في تشخيص سرطان عنق الرحم.
الحالة الأولى كانت مع السيدة جينيفر حين أجرت مسحة لعنق الرحم في مستشفى واريك عام 2002 وعلى إثره خضعت لإجراء روتيني لإزالة خلايا ما قبل السرطانية، وقد أخبرها طبيبها بأنها قد شُفيت. واستمرت – بعد ذلك – بمراجعة المستشفى حتى جاء عام 2010 وخضعت فيه لعملية استئصال عنق الرحم لوجود خلايا سرطانية. كانت جينفر منزعجة وتتساءل لماذا لم يُكتشف قبل ذلك رغم التزامها بالمراجعة طيلة السنوات الماضية. لذا طلبت مناقشة ذلك مع استشاري ورئيس قسم علم الأمراض في ذات المستشفى، غير أنهم تجاهلوا طلبها مما أثار فضولها لمحاولة كشف الحقيقة، خاصة وأن لديها خلفية علمية جيدة في الكيمياء الحيوية.
اضطرت جنيفر إلى أخذ العلاج الكيميائي الإشعاعي حتى ظنت أنها قد شُفيت. بيدَ أنها أُبلغت في سبتمبر 2011 بأن السرطان قد انتشر ومن المحتمل أن يؤدي إلى الوفاة. لم تجد بُداً من الاستعانة بالمحامي بول مكنيل، الذي وافق على تمثيلها، وسعى في الحصول على رأي أخصائي علم أمراض لإعادة النظر في فحوصاتها التي أجرتها من عام 2002 حتى 2010.
لقد وجد الطبيب أن الأدلة قد أظهرت بأن السرطان كان موجوداً في المسحة التي أُجريت في أبريل 2005 ويونيو 2006 ومارس 2010 حيث كانت كلها غير طبيعية، وبالتالي كان يجب الإبلاغ عن هذه التشوهات من قبل أخصائي علم الأمراض في ذلك الوقت. قد ألقت تلك الأخبار على جنيفر بالأحزان فخضعت لعلاج إشعاعي أواخر عام 2012 في محاولة للسيطرة على انتشار السرطان، بيدَ أن القدر فاجأها في بداية عام 2013 وسُجل سبب الوفاة سرطان في عنق الرحم.
يقول فريق الدفاع أنها لو تلقت العلاج المناسب من المستشفى منذ البداية وحتى 2010 ، فإن من شأن ذلك إضعاف السرطان، وستظل جينيفر على قيد الحياة وبصحة جيدة. لذا – وبعد مفاوضات مطولة بين الطرفين – تمت تسوية القضية بمبلغ 420 ألف جنيه إسترليني.
الحالة الثانية، كانت مع سيدة ضد مستشفى نورفولك ونورويتش (Norfolk & Norwich) لعدم إبلاغه في فبراير 2012 عن وجود تشوهات في عينة من عنق الرحم حتى أبريل 2013. ويعد هذا تأخيراً في تشخيص سرطان عنق الرحم. لذا خضعت السيدة لعلاج مكثف بما في ذلك دورتين من العلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي. ولولا هذا التأخير لخضعت لعلاج أقل مدة وتركيزاً، مع إمكانية شفائها. وعلى الرغم من علاجها المكثف، إلا أن حالتها انتكست حيث أشارت أدلة الخبراء إلى أن فرصتها في الحياة تتراوح ما بين 5% و 10% لمدة خمس سنوات، مع عمر متوقع يصل إلى حوالي 16.5 شهرًا.
استعانت السيدة بوكالة متخصصة لرفع دعوى ضد المستشفى، وفي أبريل 2015 حصلت الوكالة على دليل خبير في علم الخلايا والأورام النسائية والطب النفسي قبل رفع القضية إلى المحكمة. واعترف المستشفى بالمسؤولية فدفع للسيدة دفعة مؤقتة لتخفيف ضغوطاتها المالية، حيث لا عائل لها، وقد أرادت التمتع بتعويضها لتقليل وطأة الحالة وهي في انتظار حتفها المتوقع، إلى أن تمت تسوية القضية بمبلغ 350 ألف جنيه إسترليني.
وفي بيان اهتمام حكومة المملكة، صنفت وزارة الصحة سرطان عنق الرحم على أنه من الأمراض المزمنة، وأصدرت دليلاً في 23 صفحة وسمته بـ “دليل سرطان عنق الرحم للعاملين الصحيين” بل وصرح وكيلها المساعد للشؤون الصحة الوقائية قبل ثلاثة أشهر عن إطلاق برنامج سعودي لتحصين الفتيات ضد سرطان عنق الرحم. الأمر الذي يدل على إدراك الوزارة مخاطر هذا المرض وآثاره.
وختاماً، ومحاولة في الإسهام في التقليل من نسبة الوفيات، يأتي هذا المقال في سياق رفع مستوى الوعي لدى المرضى من جهة، ويؤكد مسؤولية الأطباء من جهة أخرى بالحذر وأخذ الاحتياطات اللازمة في حال الاشتباه بوجود أعراض هذا المرض . وفي حال وقوع أي من الحالات المشابهة للأمثلة المذكورة في واقعنا – وإن كنّا لا نتمناها – فإن على المهتمين بالقانون إدراك طريقة نجاح الدعوى – ليس لحظ النفس- بل لزيادة الرقابة على المؤسسات الصحية ليحذر الأطباء حال النسيان أو الإهمال أن عين الرقيب الرسمية وإن غابت فإن العين الأخرى قد تكون حاضرة، وإن كان لا يسرنا وقوعها في المجتمع فإن من شأن القانون أن يكون قيداً يحدُّ من انتشار هذه الظاهرة، وبهذا تتحقق الغايات التي تأملها وزارة الصحة في الواقع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال