الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ابتداءً وقبل أن أجيبُ على استفسار عنوان المقال، فلنتفق أن من حق الدائنين جميعاً، وبالأخص من يمتهن تجارة التمويل، ونعني البنوك والمصارف والجهات التمويلية، توثيق ديونهم وضمان وفاء المدينين لهم دون مُماطلة، احتراماً للعقود والتزامات المدينين فيها بالسداد.
وعلى هذا الأساس فإن المصارف والجهات التمويلية عند إبرام عقودها تستوثق الضمانات الكفيلة لإلزام المدينين بالسداد عند الاستحقاق، ومن ذلك رهن العقارات لديها، سواء فيما يخص مديونيات الشركات والتجار بضمان الرهونات العقارية، أو مديونيات الأفراد والمواطنين، وأكبر مثال: ما يحصل عليه المواطنون من تمويل لشراء المنازل أو بنائها، بضمان رهنها لدى البنوك، وعلى ذلك فلنتفق أن أصل المُعاملة مشروعة مُنظَّمَة، ونعني الرهن العقاري، وقد أباحه الشرع ونظمته التشريعات.
وبحسب الشرع والنظام، وبعُجالة، فإن على البنوك التزامات وواجبات، متى ما أرادت بيع العقار المرهون لديها، في سبيل استيفاء مديونيتها المُتعثِرة، وأبرزها:
إن الحاصل في الواقع العملي، أن كثيراً من البنوك والجهات التمويلية توقِع عملائها عند إبرام عقد التمويل، على تفويض للبنك بحقه في بيع الرهن، وتضمين صياغة مثل هذا التفويض، الإذن المُطلَق للبنك بالبيع دون اعتراض من العميل على السعر، أو على إجراءات البيع، وأن للبنك أن يبيع بمعرفته دون اعتراض من العميل، وغير ذلك من التفويضات التي تؤخذ من العميل عند إبرام العقد، وقبل حلول الدين، تحوطاً من البنك لكل شيء.
وعلى هذه التفويضات تتجرأ بعض المصارف ببيع الرهونات دون الرجوع إلى قضاء ودون إجراءات، واستنادهم بتصرفهم على هذه التفويضات، وهذا الأمر لوحده يحتاج إلى دراسة علمية شرعية قانونية، لعلنا نُبرز لها مقالاً مُستقلاً.
وبعُجالة فأبرز ما يثور حول هذه التفويضات من ملحوظات تتمثل بالآتي:
وقد فصّلت الكتب الفقهية والنظامية في مدى صحة أو بطلان هذا التفويض من المدين الراهن، عندما يكون التفويض مقروناً مع توقيع عقد التمويل، بما أسموه (شرط الأسد)، بحيث يقع باطلاً توقيع المدين للدائن عند توقيع عقد التمويل، وقبل استحقاق الدين، وقبل تعثر المدين، توقيعه على تفويضِ مُطلَق بحق الدائن المُرتهن ببيع العقار، وهو الحاصل فعلاً، فأغلب الإشكاليات مبنية على هذا التفويض الذي طلبه البنك من العميل عند التمويل، ولم يكن توقيع التفويض بعد استحقاق الدين أو بعد تعثر المدين، وجميع ذلك يستوجب التنظيم الصريح من وزارة العدل والبنك المركزي حماية لاستقرار المتعاملين، بنوكاً وتجاراً، وفقهنا العظيم أيضاً لم يخلُ من تنظيم ذلك، ومنه المادة (977) من مجلة الأحكام الشرعية، ونصها: “ليس للمُرتهن أن يبيع الرهن دون إذن الراهن أو الحاكم إذا أبى الراهن وفاء الدين بعد حلوله فللمُرتهن أن يرفع الأمر إلى الحاكم ليُجبره على وفاء الدين أو بيع الرهن بوفائه، فإن أبى وأصر باعه ووفى الدين من ثمنه”.
وقبلَ أن أجيبُ على سؤال المقال، فلنتفق أيضاً على أهمية تنظيم الرهونات العقارية الممنوحة لضمان التمويلات، بل وتنظيم ومراجعة جميع عقود التمويل ومُستنداتها وضماناتها، حمايةً واستقراراً لسوقنا واقتصادنا المتين، وإنه بتتبع أسباب انهيارات البنوك وإفلاساتها، وما حصل من انهيار اقتصادي في عام 2008م، نجد أن أحد أهم أسباب ذلك الانهيار، ما ارتبط بقيمة وتسييل الأصول العقارية المرهونة، وفي الجانب الآخر وبدراسات تخص سوقنا السعودي عن أهم أسباب تعثر وإفلاس تجارنا ومقاولينا، كان من أهم الأسباب: ما يتعلق بالتمويل وإشكالياته، ومن ذلك التعامل مع ضمانات التمويل، والرهونات العقارية، وما قد يُصاحب ذلك من تعسف البنوك باستخدام ما لديها من سندات لأمر، تطلب التنفيذ عليها، فيتوقف نشاط التاجر، ومن ذلك استخدام ما لديها من تفويضات في بيع الرهونات، وإن كان بأسعار مُتدنية أو البيع بوقت غير مناسب، فيفقد التاجر ما لديه من أصول تضمن استقرار واستمرار نشاطه.
وإنه إن كان العالِمُ الهولندي قد تنبأ بتاريخ الزلزال، فإنني أتنبأُ بأزمَة بيع عقارات لمساكن المواطنين، ممن حصلوا على تمويل ببرنامج تمويل المساكن المدعوم، استناداً لأن نسبة التمويل عالية قياساً بالرواتب، واحتمالية تعثر نسبة منهم واردة، إما لترك عمل، أو لانخفاض راتب ولغيره، وقد أعطى العقد للجهة التمويلية الحق والتفويض في بيع المنزل، وهو أمر الجميع مسؤول عنه لتنظيمه، لا أن يُترك المواطن في مواجهة البنك وعقده وحده.
وقبل أن أجيبُ أيضاً، فلنتفق أن بنوكنا تمارس دوراً محورياً في دعم الاقتصاد والتجارة، وهناك عشرات الأمثلة لبنوكنا الكريمة في تقدير أوضاع تجارنا، وما قد يمرون به من كساد، ومن ذلك جائحة كورونا، وقد كانت تعليمات البنك المركزي واضحة للبنوك بمنح التجار الأجل وتقدير الظرف، وعلى ذلك فلا يُمكن أن نقول أن وجود تجاوزات في بيع الرهونات يُعَدُ ظاهرة، وإنما هي حالات، ومن ناحيتي أؤكد أنها عديدة، أما عددها فمسؤول عنه البنك المركزي للتقصي عنها ومعالجتها ومحاربة ما قد يكون مُصاحباً لها من فساد.
وعن عنوان المقال، فقد وردني استفسارات: هل هناك حالات لدى البنوك والمصارف تتضمن كما تقول فساداً؟ وجوابي نعم، وهو محل مقالنا القادم.
حفظ الله بنوكنا وتجارنا من كل تجاوز.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال