3666 144 055
[email protected]
في 2022، ولأول مرة، تجاوز الناتج المحلي الإجمالي في السعودية حاجز التريليون دولار أمريكي ووصل إلى 1,1 تريليون دولار اسميا والذي يشمل معدل التضخم في حسابه. أما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (والذي لا يشمل التضخم) فقد بلغ 790 مليار دولار. على الرغم من أن حاجز التريليون دولار مجرد رقم إلا إنه فرصة للتوقف والتأمل كيف وصلنا إلى ذلك الرقم.
فمنذ 2016 إلى 2020، نما الاقتصاد السعودي الحقيقي 1,9% سنوياً على الرغم من تقلبات أسعار الطاقة وأزمة كورونا. فالنمو الحقيقي للأنشطة النفطية لنفس الفترة بلغ 0,6% في حين أن النمو المماثل للأنشطة غير النفطية بلغ 2,2% مما ساعد الاقتصاد أن ينمو نموا جيدا. ومن أهم أسباب ذلك هو الاعتماد على نهج اقتصادي جديد اسميه “الاقتصاد السلماني” والذي يرتكز على ثلاثة عناصر أساسية ألا وهي: التقنية ومحاربة الفساد ونموذج اقتصادي جديد.
التقنية ترفع من إنتاجية العامل ومن إنتاجية الآلات وبالتالي يرفع من النمو الاقتصادي. ونرى التقنية في عدة أمور: رقمنة المعاملات والخدمات الحكومية في مختلف الهيئات والوزارات والاستثمار في التقنية محليا ودوليا (مثلا عبر الاستثمار في شركات رأس المال الجريء وتوريدها للمملكة إن كانت خارجية). ولا يمكن لأي اقتصاد أن ينمو نمو مستمرا إذا لم يتم استئصال الفساد. فالفساد مقبرة التنمية. ولذلك رأينا محاربة الفساد في بدايته وكيف بدأ في القمة. ولم تتوقف واستمرت الدولة في محاربته عبر “نزاهة” إذا حدث وعبر هيئة الزكاة قبل أن يحدث حيث أن أتمتة الفواتير يمنع التستر والفساد بشكل كبير.
أما العنصر الأكبر في الاقتصاد السلماني هو طريقة عمله. فلا هو نموذج رأسمالي ولا اشتراكي ولا شيوعي. بل هو مزيج فريد من هذه الأنظمة الاقتصادية وبدرجات مختلفة يراعي فيها الحاجة الاقتصادية للمملكة. فمن أساسيات الاقتصاد السلماني إعادة تدوير الأموال الحكومية: استخدام متحصلات الضرائب والإيرادات النفطية ومتحصلات بيع الاستثمارات التقليدية وذلك في الاستثمارات الحديثة خصوصا التقنية والمشاريع الجبارة التي لا يتحملها القطاع الخاص بالإضافة إلى مشاريع الدعم.
مثلا، تبيع الحكومة وصناديقها ولو جزئيا بعض استثماراتها عبر الخصخصة كما حدث مع أرامكو وعلم وتداول وغيرها. وتعيد استثمار متحصلات البيع في مشاريع نيوم والبحر الأحمر والقدية وتستثمر في البنوك الرقمية وتنعش القطاع السياحي وتدعم مشاريع الإسكان وتخفف من آلام التضخم. فالاقتصاد السلماني يصبح رأسماليا عندما يتخلص من استثماراته التقليدية عبر الخصخصة ويصبح اشتراكيا عندما يدعم الإسكان بشقيه العرض والطلب ويصبح رأسماليا شيوعيا على المنهج الصيني عندما ينشأ المشاريع الجبارة.
ومن أوجه الرأسمالية في الاقتصاد السلماني هو التركيز على لوائح وأنظمة جديدة تساعد القطاع الخاص في تأدية دوره. فمثلا، نظام الشركات الجديد ونظام الحماية من الإفلاس واللوائح الجديدة من هيئة السوق المالية والبنك المركزي السعودي كلها تصب في صالح القطاع الخاص. فالقطاع الخاص يطلب الشفافية والوضوح لكي يقدر أن يقوم بدوره المهم في الاقتصاد.
ولكن كيف يختلف ذلك عن السابق؟ سابقا، كان الاقتصاد يعتمد أساسا بل كليا على النفط وتذبذباته مما يصعب من عملية التخطيط المستقبلي. فلذلك تركزت الاستثمارات في السندات الأمريكية بالدرجة الأولى مما أثر سلبا على النشاط الاقتصادي المحلي. أما مع الاقتصاد السلماني، فإن إعادة تدوير الأموال الحكومية وتركيزها على النشاط الاقتصادي المحلي يعطي زخما قويا للاقتصاد بالنمو وأن يبتعد تدريجيا من النفط ويعتمد على نفسه. وأبرز نتائج ذلك هو انخفاض معدل البطالة للسعوديين من حوالي 13% قبل سنوات قليلة إلى حوالي 9% حاليا.
ولا يمكن لأي اقتصاد أن يكون بمعزل عن المؤثرات الخارجية والتي قد تؤثر سلبا أو إيجابا في الاقتصاد. وليس من المعقول أن تكون جميع القرارات صائبة وصحيحة. فالغرض من بناء الاقتصاد السلماني هو جعله اقتصاد مستدام: يستفيد من التطورات الداخلية والخارجية وفي نفس الوقت يستطيع أن يحمي نفسه إن أصابه حدث. فالاقتصاد ماراثون ويبني على ما فات ويزدهر بناء على البذور التي زرعت سابقا. ولذلك ما نراه حاليا ما هو إلا بداية الطريق وجني الثمار سيبدأ من 2026.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734