3666 144 055
[email protected]
AbdullahHabter@
سأبدأ بمقدمة لابد منها، وارجو ان يتسع أفقك عزيزي القارئ لتحملها. وتتخلص في أنني كنت قبل دراسة الاقتصاد متابع ومهتم للأحداث السياسية والقضايا الاقتصادية، فالسياسة والاقتصاد مرتبطان ببعضهما ارتباطا وثيقا، ولكل منهما تأثيره على الآخر، والواقع يحمل أمثلة تدل على ذلك. ويلزم أن يكون المهتم بهما، فضلا عن المتخصص لديه معرفة بالواقع وفهم أبعاده التي تمنح رؤية أكثر وضوحا لاستقراء المستقبل، والاحتمالات التي قد تحدث، وسبل التعامل معها، فهما يمنحا المتابع أفقا واسعا للتحليق بفكره وفق نظرة شمولية واقعية.
وحينما درست الاقتصاد لم أتوقع أن تحوي نظريات ذات طابع رياضي بحت تهتم بدارسة السلوك الإنساني، فالرياضيات علم منطقي مجرد، تختلف عن العلوم التي تبنى على التجربة، فهي تعطي نتائج منطقية ودقيقة، وكانت بحق علم لا تستغني عنه بقية العلوم الأخرى سواء الطبيعية أو الإنسانية أو الاجتماعية، وبهذا من المهم التفريق بين المجرد “والذي يعني فصل الفكرة عن المادة، أو بعبارة أخرى ما يدرك بالذهن دون الحواس” وبين الواقع والذي قد يعني الوضع الحقيقي، خلاف الافتراضي.
والاقتصاد أحد هذه العلوم، فهو مليئا بمعادلات رياضية معقدة، ربما كان لذلك الطابع الرياضي دورا كبير في وجود تحليلات مجردة لبعض المشاكل الاقتصادية، بعيدة عن الواقع، تُظهر قصورا في فهم طبيعة المجتمعات والسلوك الإنساني، هذا السلوك الذي يعتبر الأساس والركيزة الأولى لذي يهتم به علم الاقتصاد، فالتحليل الاقتصادي برؤية واقعية يعطي تفسيرا أدق للوضع المعيشي، والذي ينعكس على سلوك الفرد والمجتمع، كما أنه يخلق تصورا أكثر وضوحا للمستقبل، وتخمين السياسات التي قد تنتج.
تلك المقدمة كانت من الضرورة التي قد تساعد في إيجاد تفسير لما نسمعه أو نقرأه لمحلل اقتصادي، أو مطور عقاري، فضلا عن رأي فردي، في التقليل من تأثير بعض القرارات التي اتخذتها الدولة -وفقها الله – لحل مشكلة السكن، بدء من إنشاء وزارة الإسكان، ورفع سقف القرض العقاري، وآخرها القرار الكريم بفرض رسوم على الأراضي البيضاء، ومدى تأثير ذلك على السوق العقارية، والحد من تضخم الأسعار؟
“وبدون مبالغة فقد توقعت صدور مثل هذا القرار الكريم”، فمشكلة السكن وارتفاع أسعار العقار أصبح خطرا كبيرا يهدد اقتصادنا المحلي، وربما عائقا ضد بعض السياسات التي قد تتخذها الدولة مستقبلا، فهو لا يحقق عائدا لخزينة الدولة أسوة ببقية الدول الأخرى، والتي جعلت من الضرائب التي تفرضها على العقارات أحد مصادر دخلها، بل إن أي خطط توسعية، أو مشاريع تنموية تقوم بها الدولة حفظها الله، تتطلب مبالغ ضخمة جدا، قد يذهب جزء كبيرا منها في صورة تعويضات لنزع الملكيات.
وكنت كتبت عدة مقالات حول مشكلة السكن وتضخم العقار، منها “الوهم الذي اختلقناه من الحقيقة ليحل محل الواقع” و”اتفاقية التمويل الإضافي للإسكان … من سيكسب الرهان؟” و”هل بدأ أفول نجم العقاريين”. تطرقت لما آلت إليه السوق العقارية لدينا، وما هو المتوقع في ضوء ذلك مستقبلا، وربما في قراءتها ما يعطي صورة واضحة للقارئ عن وضع السوق الحالي ومساره المستقبلي، وكيف أن ترك السوق بهذه العبثية لن يتمكن المواطن من الحصول على السكن؟ ولن تجدي معها قروض الصندوق العقاري حتى وإن وصل سقف القرض مليون ريال، وأن السوق أصبح من الخطورة التي تتطلب تدخل الدولة، وكنت متوقعا أن يحدث ما يعالج اختلال السوق ويصحح مساره، ويقود بإذن الله لانخفاض في أسعاره مستقبلا.
إن تلك الآراء التي قللت من تأثير فرض الرسوم على الأراضي البيضاء، وأن ذلك سيزيد من احتمال ارتفاع الأسعار، وتحمل المواطن تلك الرسوم، كانت في مجملها بعيدة عن الصواب من جهتين:
الأولى : أنها كانت قاصرة في فهمها لواقع وطبيعة السوق العقارية لدينا، وغفلت أو تناست ضغوطا تتشعب في تأثيرها على اقتصادنا المحلي، والتحديات التي تواجهه مستقبلا، ومنها النمو السكاني الكبير، والحاجة لتلبية الطلب المتزايد على السكن، إضافة لعدم قدرة الأفراد على تملك المساكن في ظل أسعاره المتضخمة، بل إن هناك سؤالا ربما لم يكن بالحسبان، وهو إلى أي مدى ستبلغ أسعار العقار السوقية؟، وهذا السؤال من المستحيل أن يوجد جوابا له، لكن من المؤكد أنه سيصل إلى سقف يستعصى معه على الكثير من المواطنين أن ينعم بمسكن له ولأفراد أسرته.
الثاني : أن الأرض تعتبر مخزن للثروة وهذه الثروة في نموها خاضعة لحركة السوق، فتزداد بازدياد نشاطه، وتستقر أو تنخفض قليلا في حالة الركود، ولكن كيف يكون وضع هذه الثروة في حالة فرض الرسوم؟.
عزيزي القارئ “إذا وصلت للإجابة المنطقية، عندها هنيئا لك فقد فهمت الواقع”.
حبتر
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734