الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
هل فضيخه شركة أبراج الاماراتية ستؤثر على ثقة المستثمرين بقطاع الملكية الخاصة؟ كيف تفاقمت مشكلة “أبراج” وما هي الدروس والعبر التي يمكن الاستفادة منها؟
ظهر قطاع الملكية الخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي قبل حوالي عقدين من الزمان وهي آلية متخصصة لامتلاك حصص أو أسهم في شركات خاصة غير مدرجة في سوق المال.
وتعتبر صناديق الملكية الخاصة صناديق مكرسة خصيصا للاستثمار في شركات خاصة .. وتشمل هذه الاستثمارات الاستثمار في الديون المتعثرة، تمويل الشركات الخاصة، والتمويل الخاص لمشاريع البنية التحتية العامة. ويتمثل الهدف الرئيسي من هذه الاستثمارات الخاصة في تحقيق معدلات ربحية عالية.
هذا القطاع مازال قطاع خصب ويفتقر الى مزيد من الخبرات المحلية، ونتيجة لذلك تمكن البعض أمثال المتهم عارف نقفي من استغلال افتقار هذا القطاع إلى مؤسسات محلية مختصة في هذا المجال. وقد انتهج عارف وأمثاله من رجال الأعمال المزيفين أسلوب الهياط والـ (فشخرة) الكذابة عبر ارتداء البذلات الفاخرة وتدخين السيجار الكوبي وإيهام الآخرين بأنهم يعيشون أسلوب حياة مترف، وذلك حتى يتمكنوا من الظهور بمظهر رجال الأعمال الناجحين المحترفين وبالتالي يسهل عليهم اصطياد ضحاياهم من المستثمرين الطامحين للأرباح المضمونة.
وقد تمثل الهدف الرئيسي لرجال الأعمال المزيفين هؤلاء في خداع المستثمرين من خلال إعطائهم انطباعا خادعا عن خبراتهم وقدراتهم الوهمية في هذا المجال. إن بدائية تنظيم هذا القطاع في دول مجلس التعاون الخليجي هي التي أعطت الفرصة لهؤلاء لاستغلال هذا الوضع، فقد كانوا يدركون تعطش المستثمرين للاستثمار في هذه النوعية من الأصول وهو ما دفعهم لتأسيس شركات تستثمر في هذا القطاع دون امتلاكهم للمعرفة والخبرة اللازمتين لخوض غمار هذا النوع من الاستثمارات. ولأنهم كانوا عاجزين عن الاستثمار في هذا القطاع بشكل محترف، فقد قاموا باستغلاله لجني الأرباح الشخصية وسلب المستثمرين والدائنين رؤوس أموالهم.
وقد اشتهر عارف نقفي بكونه مؤسس مجموعة أبراج للاستثمار في الملكية الخاصة. واعتبرت مجموعة أبراج وقتها واحدة من أكبر المؤسسات في العالم وأكثرها تأثيرا في قطاع الاستثمار في هذا النوع من الأصول بمجموع أموال وصل إلى 14 مليار دولار أمريكي في صناديقها الاستثمارية خلال السنة التي شهدت أفضل أداء للمؤسسة. وقد ضم عملائها من المستثمرين أسماء كبيرة مثل مؤسسة بيل وميلندا غيتس، والمؤسسة المالية الدولية. وعمدت أبراج إلى اختلاس أموال المستثمرين لجني المزيد من الأرباح الشخصية لصالح مؤسسها عارف نقفي.
بدأت تنهار صناديق مجموعة أبراج ابتداء من شهر سبتمبر من العام 2017، وذلك حين أخذت مجموعة من المستثمرين الذين استثمروا مليار دولار أمريكي في صندوق الرعاية الصحية بالتساؤل عن المقدار الذي يتم تشغيله من أموالهم، ولكن مستثمري صندوق الرعاية الصحية لم يكونوا الوحيدين، فقد أخذ جميع المستثمرين يتشككون في ما إذا كانت أموالهم قد تم تشغيلها بالفعل أم لا.
وقد بلغت ضبابية الوضع حدودا غير معقولة لدرجة أن (كي بي أم جي) التي كانت تقوم على تدقيق حسابات أبراج لم تتمكن من العثور على ما يثبت سوء إدارة أموال المستثمرين. ولكن المستثمرون لم يقتنعوا بتقرير كي بي أم جي، وعمدوا إلى تعيين محاسبين من قبلهم للتحقيق في التلاعب وطالبوا باسترداد أموالهم مما أدى إلى تعميق أزمة السيولة التي تعاني منها أبراج. وبسبب هذه الأنشطة الاحتيالية، بدأ المستثمرون بسحب أموالهم من صناديق مجموعة أبراج، كما بدأ الصندوق بدفع مستحقات المستثمرين المؤثرين والذين قد يسببون بعض الإزعاج ويشوهوا سمعتها في السوق.
ومع ذلك، فإن هذه الأجراءات لم تفلح في تحسين وضع المجموعة، فما إن بدأت رؤوس الأموال بالتدفق خارج المجموعة عائدة إلى أصحابها، حتى أخذت أزمة السيولة تتعمق أكثر فأكثر نظرا لأن رسوم الاستثمار النظامية التي كانت أبراج تتقاضاها من المستثمرين بالكاد تكفي لتغطية نصف التكاليف، وهو وضع ساد لعدة سنوات، وكانت أبراج تتعامل مع هذه المشكلة عبر التلاعب الغير نظامي بأموال المستثمرين. وكمحاولة أخيرة، حاولت مجموعة أبراج الحصول على قروض بنكية لتغطية عجزها ولكنها فشلت. وفي النهاية، كشفت التحقيقات أن أبراج تدين بأكثر من مليار دولار لعملائها من المستثمرين، وهو ما دفع الدائنين لإجبار أبراج على تصفية أصولها.
شكل انهيار مجموعة أبراج واحدة من أكبر الفضائح التي أصابت القطاع ، وقد نظر بعض المستثمرين إليها باعتبارها نتيجة طبيعية لكافة الجوانب السلبية التي تكتنف الاستثمار في القطاع. أما بالنسبة لي، فقد رأيت في ما حدث فرصة لفهم العوائق والجوانب السلبية التي تكتنف قطاع الملكية الخاصة بغرض وضع استراتيجية تصويبية تؤدي في النهاية إلى تعزيز حوكمة هذا النوع من الأصول لتجنب حدوث حالات انهيار مماثلة في المستقبل.
وباعتبارها أحد فئات الأصول المهمة، فإن أصول الملكية الخاصة تعتبر استثمارا مثاليا نظرا لانخفاض نسبة الارتباط المتبادل بينها وبين الأسهم المدرجة في السوق المالية، كما إنها تعتبر مصدرا طويل الأمد لتعزيز عائدات المحفظة الاستثمارية. وكما في كل أنواع الاستثمار الأخرى، ينبغي التحقق بدقة من قوة المركز المالي للمؤسسة التي تقوم بالاستثمار في هذا النوع من الأصول ، إضافة إلى التحقق من سمعة مؤسسها (مؤسسيها) لضمان أن أموال المستثمرين ستكون في أيد آمنة.
ومن الحكمة القيام بالاستثمارات من خلال مدراء استثمارات محليين كونهم يتمتعون بفهم أكبر لبيئة الأعمال المحلية ومشاكلها مما يجعلهم قادرين أكثر من غيرهم على إدارة هذا النوع من الاستثمار. ومن المهم كذلك تخصيص وقت كاف لدراسة طريقة العمل وإجراءات الحوكمة في المؤسسات التي تستثمر في هذا قطاع وذلك لتقييم مدى شفافيتها ودقة عملياتها. أما إذا لم يتمكن المستثمرون من التحقق من أحوال المؤسسة بأنفسهم، فلديهم الخيار بأن يوكلوا هذه المهمة إلى ما يعرف بمدراء إدارة الثروات الذين يتمتعون بالأدوات اللازمة لإجراء هكذا تحقق، أو يمكنهم ببساطة الاستثمار في إحدى الصناديق التي تستثمر في مجموعة من صناديق الملكية الخاصة.
ومن المهم إدراك أن انهيار أبراج جاء نتيجة للعمليات التي انتهجتها، وليس لأن الاستثمار في أصول الملكية الخاصة باعتبارها أحد أنواع الأصول غير آمن. ويؤكد انهيار أبراج أهمية أن تقوم المؤسسة التي تستثمر في أصول هذا القطاع بتطوير آليات الحوكمة الخاصة بها لتجنب انهيار مماثل. لذلك يتوجب على المستثمرين تنفيذ تحقق دقيق من إجراءات الحوكمة في المؤسسة التي ينوون استثمار أموالهم فيها، والتحقق من سمعة ومؤهلات مؤسسها (مؤسسيها)، إضافة إلى دراسة احتمال تضارب المصالح.
بالنسبة لي، أعتقد أن إجراءات الحوكمة في المؤسسة التي تستثمر في أصول هذا القطاع هامة جدا ويجب إعطاؤها الأولوية القصوى، بل ويجب الاهتمام بها أكثر من الاهتمام بالعائدات المتوقعة من الاستثمار، فإجراءات الحوكمة الصحيحة تنتج على المدى الطويل استثمارا مجزيا وآمنا وقابلا للنمو بشكل مستدام.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال