الثلاثاء, 18 يونيو 2024

بعد خفض اليوان.. الميزان التجاري مع الصين يسير في صالح دول الخليج

FacebookTwitterWhatsAppTelegram

 

لليوم الثالث على التوالي يخفض البنك المركزي الصيني العملة الوطنية اليوان، لكن ردود الفعل الدولية بدت أهدأ نسبيا مقارنة باليومين الماضيين.

فقد انخفض اليوان 1 في المائة مقابل الدولار، وهي نسبة أقل مما حدث في اليومين الماضيين، حيث خفضت بكين قيمة عملتها المحلية بنسبة 1.9 في المائة يوم الثلاثاء الماضي، وفي اليوم التالي بنسبة 1.6 في المائة. لكن نسبة الخفض المتدنية في اليوم الثالث لم تكن هي العامل الوحيد فقط وراء رد الفعل الهادئ نسبيا في الأسواق. وخفض البنك المركزي الصيني السعر المرجعي لليوان مقابل الدولار أمس بنسبة 1,11 في المائة ليبلغ 6,4010 يوان بعد أن بلغ 6,3306 يوان أمس الأول، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية.

اقرأ المزيد

واعتمدت الصين مقاربة أكثر مراعاة للسوق لاحتساب سعر العملة هذا الأسبوع في إجراء اعتبر بشكل عام تخفيضا لقيمتها، ما أثار التساؤلات حول صحة ثاني اقتصاد عالمي. وتضبط الصين عملتها بشكل صارم، وتتيح تقلبها ضمن هامش قدره 2 في المائة ارتفاعا أو انخفاضا حول السعر المرجعي الذي تحدده يوميا.

ووفقا لـ “الاقتصادية” كان البنك المركزي الصيني قد أعلن الثلاثاء عن تصحيح منفرد بلغ 2 في المائة تقريبا لقيمة اليوان مقابل الورقة الخضراء فيما عدلت من آلية التقييم. وفيما كان في السابق يحدد القيمة استنادا إلى استفتاء حول اللاعبين الأساسيين في السوق، صرح أن السعر المرجعي لليوان الذي ينشره صباح كل يوم سيعكس من الآن فصاعدا إغلاق التبادلات في اليوم السابق والعرض والطلب في أسواق سعر الصرف وتقلبات العملات الرئيسية.

تتباين وجهات نظر الاقتصاديين العرب والبريطانيين بهذا الشأن. فالاقتصادي العربي الدكتور خالد عبدالله يعتبر أن استهلاك الصين من النفط خلال المرحلة المقبلة سيحمل الإجابة على تأثير خفض اليوان على العلاقات الاقتصادية البينية بين الصين والعالم العربي. و يعلق قائلا “هدف الصين من تحرير عملتها الوطنية نسبيا هو زيادة الصادرات، وإذا نجحت في ذلك، فإن ذلك سيعني زيادة طلبها على مواد الطاقة، والمعادن والسلع شبه المصنعة، وإذا زاد استهلاكها من الطاقة، فإن أسعار النفط ستتحسن، وسيكون الميزان التجاري في صالح الدول العربية المصدرة للنفط”.

البروفسير كريستوفر مور رئيس قسم الاقتصاد السابق في جامعة ادنبرا يعتقد أن فهم تأثير خفض اليوان على العملات العربية يتطلب أولا الاعتماد على التقسيم التقليدي للاقتصادات العربية وهي انقسام الاقتصاد العربي إلى بلدان مصدرة للنفط وأخرى غير نفطية.

ويعلق قائلا “بالنسبة للبلدان غير النفطية مثل مصر والمغرب والسودان والأردن، فإن حجم وارادتها من الصين ستقفز بمعدلات كبيرة لأن المنتجات الصينية أضحت تتمتع الآن بمزايا تنافسية أعلى، فإذا أخذنا في الاعتبار العجز الواضح في ميزانيات تلك الدول فإنها بلا شك ستشعر بأن من صالحها زيادة وارداتها من الصين. والنتيجة زيادة عجز الميزان التجاري بين البلدان غير النفطية والصين لصالح الأخيرة”.

ويضيف “الوضع عكس ذلك بالنسبة للبلدان النفطية وتحديدا بلدان مجلس التعاون الخليجي، فالميزان التجاري يسير لصالح البلدان النفطية، ولكن إلى أي مدى سيستمر ذلك هذا ما يجب رصده خلال الفترة المقبلة، فالمؤكد أن الصادرات الصينية إلى بلدان مثل الإمارات والسعودية سترتفع، لكن هل سيزيد الطلب الصيني على النفط بنفس المعدل، هذا مشكوك فيه لأن خفض العملة الصينية لن يحقق قفزات ضخمة في زيادة معدل الصادرات، ومن ثم لن يزيد استهلاك الصين من النفط كثيرا، والذي أتوقع حدوثه أن يظل الميزان التجاري مع الصين في صالح البلدان الخليجية لكنه سيأخذ في التراجع”.

جيم مايرز الباحث في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يطرح الأمر من منظور مختلف، فهو يشير إلى أن التأثير غير المباشر لخفض العملة الصينية على الاقتصادات الخليجية، ويعتقد أن هذا لربما يكون أكثر تأثيرا وأشد مفعولا.

ويعلق قائلا “بلدان مثل السعودية والإمارات والكويت وقطر تربط عملتها أساسا بالدولار، ومن ثم فعملتها قوية طالما ظل الدولار قويا، وخفض قيمة اليوان يجعل بلدان مجلس التعاون الخليجي في وضع اقتصادي أقوى في مواجهة الصين، لكن علينا أن نأخذ في الحسبان أن عديدا من الشركاء التجاريين للبلدان الخليجية سيتأثرون ربما سلبا بقرار البنك المركزي الصيني، وبحكم الارتباط الاقتصادي فإن الامتداد السلبي لتلك التداعيات لربما يطول بلدان مجلس التعاون”.

ويستدرك قائلا “على سبيل المثال الهند استوردت من الصين ما قيمته 60 مليار دولار، والمتوقع الآن أن الواردات الهندية من الصين سترتفع، كما أن الصادرات الهندية ستخسر بعض الأسواق الخارجية لزيادة القدرة التنافسية للسلع الصينية نتيجة انخفاض أسعارها، وهذا سينعكس حتما على الإنتاج الصناعي الهندي، وسينجم عنه تراجع في معدلات نمو المصانع الهندية، بما قد يعنيه ذلك من انخفاض الطلب على السلع الأولية بما فيها الطلب على النفط”. لكنه يضيف قائلا “ومع هذا فإنه إذا انفجرت حرب عملات واسعة النطاق، خاصة من قبل بلدان مثل البرازيل أو الأرجنتين أو جنوب إفريقيا، فإن المشهد الاقتصادي قد يختلف”.

لكن خفض قيمة اليوان خلال الأيام الثلاثة الماضية لم يطرح تساؤلات فقط حول علاقة الصين بالاقتصادات العربية أو الإفريقية أو حتى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، بل بات التساؤل حول مصير البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.

وعلى الرغم من أن أغلب وجهات النظر الراهنة تشير إلى أن خفض العملة الصينية لن يكون له تأثير على البنك وقدراته الاستثمارية، إلا أن بعض خبراء المصارف البريطانيين يعتقدون أن قرار البنك المركزي الصيني سيكون له انعكاساته على مسيرة البنك.

جيفري كلون الاستشاري في بنك نت واست البريطاني يعتقد أن البنك قد لا يتأثر ماليا لأن الأصول مقيمة بالدولار، بل على العكس فإن قيمة مساهمات الأعضاء عند تحويلها لليوان ستكون أعلى، لكنه مع ذلك يشير إلى نقطة تتعلق بالثقة الدولية في الاقتصاد الصيني. ولـ “الاقتصادية” يعلق قائلا “أحد العوامل الرئيسية وراء القبول الدولي بالفكرة الصينية لإنشاء بنك للاستثمار في البنية التحتية في آسيا يعود إلى الثقة بالاقتصاد الصيني في حد ذاته، خفض اليوان يكشف دون أي ريبة أن الصين تصرخ من أزمة اقتصادية حقيقية، ويمكن أن تستفحل هذه الأزمة إذا انفجرت حرب العملات، أو أن خفض اليوان لم يؤد لإنعاش الصادرات الصينية، وهذا يعني أن ثقة المجتمع الدولي وأعضاء البنك الآسيوي للاستثمار ستهتز”.

ويضيف “هذا لا يعني أن البنك لن يكون فعالا أو أن بعض الأعضاء سينسحبون منه، لكن بكين لن تتمتع بذات الثقل الذي كانت ستحظى به إذا واصلت الحفاظ على معدلات نموها المرتفعة”.

ذات صلة

المزيد