3666 144 055
[email protected]
رئيس تنفيذي لشركة استثمارية – دبي
ahmad_khatib@
عنوان المقال سؤال أصبح يتكرر مؤخرا مع تغيير الأطراف واختلاف الظروف. اليونان مثلا واسكتلندا وانفصالها عن بريطانيا واستفتاء الكاتالونيين الراغبين بالانفصال عن اسبانيا.
تجري اليوم الانتخابات العامة في بريطانيا وعنوانها العريض بريطانيا وعضويتها في الاتحاد الاوروبي. كان رئيس الوزراء كاميرون قد رضخ للضغوط وأعلن منذ عامين أنه في حال فوز حزبه في انتخابات 2015 وبقائه على رأس الحكومة فإنه سيجري استفتاءا حول بقاء بريطانيا في الاتحاد الاوروبي من عدمه في موعد اقصاه نهاية العام 2017.
من وقتها فُتح السجال على مصراعيه. احزاب اخرى تعارض خروج بريطانيا وترفض حتى اجراء الاستفتاء وتعتبره لا يخدم مصالح البلاد. الاتحاد الاوروبي ورموزه انتقدوا كاميرون واعتبروا سياساته تتعارض مع التوجهات الأوروبية ولم يخفوا أمنياتهم بعدم وصوله الى الحكم من جديد. في النهاية وصلنا الى وضع انتخابي معقد وغير تقليدي حيث تظهر استطلاعات الرأي حتى الان عدم إمكانية فوز اي من الحزبين الرئيسيين بأغلبية تمكن اي منهما من تشكيل حكومة، وبالتالي سيضطر الحاصل على اكبر عدد من المقاعد الى التحالف مع احزاب اخرى اصغر لتشكيل حكومة، وتلك الأحزاب لديها آراء اخرى بخصوص الاستفتاء.
المتوقع إذن أن نصل الى نتائج متقاربة ومن بعدها تبدأ مفاوضات لقيام تحالفات ومن ثم الوصول الى تشكيل الحكومة الجديدة. العامل المهم حينها هو الوقت الذي ستستغرقه كل تلك الأحداث وتأثيرها على مستقبل الاقتصاد البريطاني، وهنا بيت القصيد. كل من يطالب بخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي لا يفعل ذلك بدافع اقتصادي بل بدافع سيادي، حيث ان تلك الشريحة تعتبر ان تطور سياسات الاتحاد الاوروبي تتجه دائما صوب نقل الثقل السيادي من العواصم الأوروبية الى بروكسل اي الى الاتحاد نفسه وقياداته، او بمعنى اخر مشاركة الدول الاخرى في القرارات السيادية وهو ما قد يكون مقبولا من قبل دول اصغر حجما او تلك حديثة العهد في الاتحاد، ولكن ليس من قبل الدول العريقة كبريطانيا. ولذلك لم يغفل كاميرون ذكر انه سيقوم بمفاوضات مع الأوروبيين قبل الوصول الى الاستفتاء.
اقتصاديا تختلف وجهات النظر من حيث اثر خروج بريطانيا سواء عليها او على أوروبا. بعض التقارير تقدر خسائر بريطانيا حال خروجها بما يعادل ١٤٪ من الناتج القومي اي تقريبا ٣٠٠ مليار يورو، ولا يشكل توفير بريطانيا مساهمتها في موازنة الاتحاد الاوروبي اكثر من ٠.٥٪. كما انه ليس من المؤكد ان بريطانيا في حال انفصالها ستتمكن من إبرام اتفاقيات تجارية مع أوروبا مشابهة لتلك التي لدى سويسرا مما قد يعقد الأمور كثيرا.
اعتقد انه من المبكر جدا الحديث عن اتحاد أوروبي من دون بريطانيا بسبب التعقيدات والاجراءات التي تسبق حصول ذلك ان كان سيحصل، لكن الأثر السلبي موجود وسيستمر بل سيتفاقم. لو كانت الفوائد من وجود الاتحاد الاوروبي واضحة وجلية لما استطاع اي معارض ان يطالب بالتغيير. طوال سنوات الرخاء لم تتعدى مطالبات الانفصال او التغيير مرحلة التنظير او المعارضة السياسية. في الأزمات الاقتصادية تجنح الدول الى التفكير بمصالحها بمعزل عن اي تحالفات او اتحادات، وهو ما حدث منذ الأزمة العالمية.
الاتحاد الاوروبي، وعلى رأسه ألمانيا يواجه التحدي تلو الاخر ولكنه يحافظ على تماسكه حتى الان. بمرور الوقت يبدو ان التحديات تكبر وتتعقد في وجه الاتحاديين. من قبرص الى اليونان وربما نصل الى بريطانيا. اذا لم يتمكن الاتحاد الاوروبي من إثبات جدوى وجوده لأعضائه خلال اصعب الأوقات، فلا يجب ان يتوقع منهم ولاءا ولا ان تقوم اي دولة بإعطاء مصالح الدول الاخرى اولوية على مصالحها.
لا يبدو ان هناك من سيخرج من الاتحاد الاوروبي قريبا، فلا زالت العوائد والمصالح من عضوية الاتحاد اكبر من الخروج منه للجميع، لكن الاتحاد الاوروبي يضعف شيئا فشيئا وسنة بعد اخرى يثقل نفسه بالأعباء والتكاليف المطلوبة للحفاظ على تماسكه.
بعد عدة سنوات، ستخرج اول دولة من الاتحاد الاوروبي، ثم تتبعها دول اخرى. لا يهم من تكون الدولة الاولى، ولا يهم السبب الذي تخرج بسببه. ستكون الشرارة. في النهاية، ستبقى ألمانيا على رأس كيان هش يضم دولا تشكل عبئا عليها.
اذا ارادت ألمانيا تجنب ذلك الوضع، عليها ان تبادر الى حل مشاكل الاتحاد الاوروبي منذ الان، وهو ما لا يبدو انه سيحدث.
الخطيب
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734