3666 144 055
[email protected]
dalsmyra[email protected]
رغم خفض النظرة المستقبلية للتصنيف السيادي للملكة العربية السعودية من مستقرة إلى سلبية إلا أن تقرير (Fitch) لا يمس أداء البنوك من ناحية الربحية والأداء التشغيلي بل على العكس أكدت الوكالة بدورها أن المصارف السعودية تحظى بالتصنيف الأقوى في الخليج تماشيًا مع عدد من الاقتصاديات العالمية الناضجة وتصنيفه من بين الأكثر تطورًا الذي يحتل المرتبة الرابعة عالميًا بعد كندا وأستراليا وسنغافورة. وأشارت (Fitch) إلى أن تراجع أسعار النفط ومواصلة الإنفاق الحكومي سيسببان عجزًا في ميزانية العام الجاري تبلغ 14.04% من الناتج المحلي الإجمالي وأضافت أن تراجع أسعار النفط سيؤدي إلى أول عجز في الحساب الجاري منذ 1998م هذه السنة لكن المملكة ستعود لتحقيق فائضًا العام المقبل.
على الضفة الأخرى تبين إجمالي السيولة المتاحة في البنوك السعودية البالغة 480 مليار ريال تقريبًا إذا ما أضفنا استثمارات البنوك في الخارج وهذا يغطي أهم تداعيات المسألة والتي تركز على قدرة القطاع المصرفي على الإقراض. فالبنوك بدورها قادرة على استيعاب السندات الحكومية المتوقع إصدارها أما عبر الودائع أو عبر التحول من أذونات مؤسسة النقد إلى السندات السيادية.
ولا يخفى علينا أن الاقتصاد السعودي يتمتع بتقييم مرتفع مقارنة مع دول العالم، بدعم من احتياطيات مالية ضخمة تساعد المملكة على امتصاص أي صدمات خارجية ويمكنها من مواجهة تداعيات ما يجري في الأسواق المالية العالمية. فكل ما يحدث من تراجعات حادة في أسواق الأسهم العربية ليس إلا أمرًا طبيعيًا أشبه بالعدوى التي يستقبلها الجسم ويقاومها بكل ما يحمله من قوى المناعة تجاه (فايروس) أكبر اقتصاديين في العالم “أمريكا والصين”، وبما أن السوق السعودي عضو فعال في الأسواق المالية العالمية فإنه من المستحيل عزله عن مثل هذه التداعيات.
ولدينا بعض المؤشرات المطمئنة والتي تثبت متانة النظام المصرفي والمالي، الذي يعد ركيزة النمو في النشاط الاقتصادي بالمملكة، أبرزها نمو مؤشرات السيولة النقدية ومنح القروض وقيمة الودائع بالمصارف بمعدل يصل إلى 10% لكل منها خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي. ففي تصريح لوكيل محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي د.أحمد الخليفي قال فيه: ” إن السعودية، تتمتع بفوائض مالية كبيرة تراكمت خلال فترة صعود أسعار النفط، وتمكنت معها المملكة من خفض نسبة الدين العام، إلى إجمالي الناتج المحلي لتكون الأقل بين دول مجموعة العشرين”. كما توقع الخليفي تسجيل الاقتصاد السعودي نموًا بنسبة 3% وهي نسبة جيدة، توضح لنا استمرار الحراك والنمو في القطاع الخاص والقطاعين النفطي وغير النفطي مؤكدًا أن هذا النمو المتوقع لا يخالطه القلق من ضغوط تضخمية بسبب تراجع أسعار السلع العالمية إلى جانب قوة الريال السعودي.
فلو أننا ننظر للموضوع من جانبه المشرق بعيدًا عن نظرة التشاؤم والهلع، سنرى بأن ارتفاع إنفاق المملكة في الآونة الأخيرة ينم عن توجهها في الاستثمار بالمشاريع التنموية الكبرى وكل هذه المشاريع والنفقات لها عوائد اقتصادية مستقبلية تعود بتعظيم المنفعة على الاقتصاد بشكل كلي. و لا يخفانا علمًا بأن البترول الذي يشكل 92% من إيرادات المملكة وانخفاض أسعاره وانهيارها هو المؤشر الأول في تغيير نظرة وكالة (Fitch) بشكل طبيعي كما أن هذه التقييمات الائتمانية تعتبر بوجهٍ عام قابلة للخطأ والصواب، فمكمن اعتمادها يرتكز على المتغيرات والعوامل المحيطة بالوضع العام، كما أن هذه التقييمات تهم بالمقام الدول التي تقوم بالاستدانة الخارجية، أما المملكة فهي عبر سياستها تقوم بالاقتراض من الداخل وليس من الخارج. إضافةً إلى أن هذا التقرير يحكم على الأصول الثابتة للمملكة؛ وهي الاحتياطيات والدين، ويتحدد بمؤشرات أخرى كهبوط سوق الأسهم بما يعادل 18% منذ بداية العام الحالي حتى الآن، والتداعيات المحيطة بالمنطقة وانخفاض أسعار البترول.
فلماذا لا نعتبر هذا التغيير السلبي كإشارة التنبيه التي تدعونا للتركيز على مصادر دخل مدرة أخرى غير البترول؛ مثلًا كحاجتنا لتشجيع القطاع الخاص وتقليل هجرة الأموال للخارج فكما تثبت الإحصائيات فإن المملكة تعد ثاني دولة في العالم تقوم بتصدير الأموال للخارج بحدود 45 مليار دولار سنوياً وتعود أسباب هذا التصدير لسببين الأول العمالة ، والآخر المستثمرون السعوديون الذين هم في حاجة إلى الكثير من الدعم محلياً للحفاظ على هذه الأموال من الهجرة الخارجية.
لسنا بصدد احتواء شعور التشاؤم والإحباط بقدر احتياجنا لاستغلال هذا القلق والخوف بشكل ايجابي واتخاذه كحافز للعمل والتغيير، فلن نشعر أبدًا إن دمنا نستظل تحت مظلة سخاء النفط لكن تعرضنا لما هو مسلط دون هذه المظلة يجعلنا ندرك الأمور ونجابهها كما هي في الحقيقة لنتدارك الأخطاء والاعتمادات الأكثر على النفط. تعرضنا لمثل هذه الضغوط لن يجعل مشوار الاقتصاد السعودي مذللًا سهلًا بقدر ما سيجعلنا نزخر بنتاج اقتصاد منتج ومستدام. يتخلل ذلك السعي في تقليل الإنفاق العام وهذا الحل سيخفف الوضع الراهن ولن يعالجه بالكامل. وبوجه عام فالمملكة قادرة بعون الله على تجاوز كافة التحديات فقد استطاعت كما ذكرنا بدايةً في عام 1998م تجاوز صعوبات تلك المرحلة رغم عدم وجود احتياطات كبيرة.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734