3666 144 055
[email protected]
رئيس تنفيذي لشركة استثمارية – دبي
ahmad_khatib@
حتى اليوم الاخير ما قبل اعلان افلاسه في سبتمبر ٢٠٠٨، حافظ المصرف العملاق ليمان براذرز على تصنيف ائتماني ممتاز من قبل الوكالات الثلاث الكبرى وهي ستاندرد اند بورز وموديز وفيتش. واستمرت الاتهامات خلال فترة الأزمة للوكالات بأنها ليس فقط لم تتمكن من التحذير من المخاطر المالية القادمة بل إنها شاركت في صنع الأزمة عبر إعطاء تقييمات مرتفعة في السوق الائتماني مما شجع على الاستمرار في الاستثمار في تلك المنتجات المعقدة.
أفلست شركات وانهارت حكومات ولم يزحزح ذلك أي من المسؤولين في وكالات التصنيف من مواقعهم. حصلت بعض القضايا التي لم تغير شيئا فهي في أحسن الأحوال تم تسويتها خارج المحاكم.
تحت الضغط المتوالي، حاولت الوكالات أن تصبح أشد في تقييمها وتصنيفها بعد فترة الأزمة مع أنه كان من الطبيعي أن تنخفض درجات التصنيف بعد الإفلاسات والانهيارات. بلغت الشدة ذروتها عندما أقدمت ستاندرد اند بورز على تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة الأميركية لأول مرة في التاريخ فكان الرد عنيفا جدا. هوجم التصنيف من كل الجهات الرسمية والحكومية بشكل قوي.
اعترفت الوكالة بعدها انها أخطأت في تقدير ٢ ترليون دولار في حساباتها في تقرير التصنيف لكنها اعتبرت أنه لم يؤثر في قرار التصنيف. فقط ٢ ترليون خطأ!! تدريجيا أخذت الحكومة الاتحادية وحكومات عدة ولايات صفة الادعاء ضد ستاندرد اند بورز على خلفية تضليل المستثمرين خلال الأزمة العالمية وانتهت القضايا بالاتفاق على تسوية قيمتها ١.٥ بليون دولار.
يعود تاريخ تأسيس الوكالة الى عام ١٨٦٠ حيث بدأ مؤسسها الأول بنشر تقارير معلوماتية الى أن وصلت حاليا لتكون شركة تابعة للشركة الأم ماكجرو هيل المالية المتخصصة في المعلومات المالية بأنواعها. إحدى الشركات التابعة للمجموعة هي “مؤشرات ستاندرد اند بورز داو جونز” التي تدير كل مؤشرات الأسهم المعروفة. المجموعة ككل مبيعاتها السنوية تبلغ عدة مليارات من الدولارات وتحقق ارباحا ممتازة ويمكن العودة لتقاريرها فهي شركة مدرجة في بورصة نيويورك. إذن هي شركة ربحية وليست جمعية خيرية.
أصدرت ستاندرد اند بورز مؤخرا تقريرا خفضت فيه تقييم السعودية الائتماني وغيرت نظرتها الى سلبية. ذكرت الوكالة في تقريرها أن السعودية ألغت عقدها ولذلك فهي تصدر التقرير بدون طلب. بمعنى اخر أن السعودية لم تدفع!
أحدث التقرير ضجة في الاتجاهين تراوحت بين المشككين في الاقتصاد السعودي اعتبروه تأكيدا وبين من اعتبره موجها وحاقدا. بعد ذلك بعدة أيام أصدرت وكالة موديز تقريرا موجزاً أكدت فيه تصنيف المملكة واعتبرت النظرة مستقرة مع توصيات بوجوب ادارة السيولة بشكل جيد مع توقع استمرار الأسعار المنخفضة للنفط. لكن هذا التقرير تقريبا مر مرور الكرام بعكس التقرير الأول.
شخصيا لا أرى في أي من التقريرين لا حقدا ولا مجاملة من اي نوع. كل ما في الأمر أن الموضوع تجاري بحت والوكالات تبحث عن الربح من خلال تقديم خدماتها، وبما أنها مجتمعة (الثلاث الكبرى) تسيطر على ٩٥٪ من السوق العالمي في مجاله، فإنه لا يوجد ما يدعوها لتغيير أساليبها. تلك الأساليب التي أصبحت في نظري بالية وغير مجدية فهي دائما تخبرنا مانعرفه وليس ما نبحث عنه. هل هناك من لا يعرف أن تراجع أسعار النفط يؤثر على دخل المملكة؟
التقارير المذكورة هنا وغيرها من التقارير التي تنتشر مؤخرا عن اقتصاد المملكة وتوقع افلاسه خلال سنوات كلها تصب في نفس الخانة، أي إخبارنا ما نعرفه بدون ذكر أن الاقتصاد السعودي تحضر جيدا لمواجهة الأزمات خلال فترة ارتفاع أسعار النفط ودون الالتفات إلى الحراك الاقتصادي على المستوى الإجرائي والخططي منذ فترة عبر دمج بعض الهيئات والمجالس وإنشاء غيرها.
لا تتطرق أي من تلك التقارير إلى قوة النظام المصرفي الحاصل على درجة مرتفعة من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي. كما لا تركز على نسبة الدين المنخفضة ولا على الاحتياطي الضخم الموجود والعملة القوية المستقرة. ولا تذكر أي من تلك التقارير أن المملكة هي اللاعب الرئيسي في أوبك وأنها منذ العام الماضي تؤكد أنها لن تغير سياستها النفطية.
كل ذلك لا يعني أن الاقتصاد السعودي حاليا في أحسن أحواله، فتراجع الإيرادات معروف وليس سرا. لكن المهم في الموضوع، أن صناع القرار ليسوا في انتظار أي من تلك التقارير لمعرفة الوضع الاقتصادي فهم تحضروا جيدا لهذه المرحلة من خلال كل ما ذكرت بالإضافة الى أنهم يعرفون تماما أن كل المفاتيح في أيديهم ويعرفون كيف ومتى يستعملونها. ليس لدي أدنى شك في ذلك.
الخطيب
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734