أكتب وأنا أشاهد كم الأمطار التي تتساقط رويدا على مدينة الرياض، وبعد أن عبرت شارعا تجمعت فيه المياه ليس لكثافة المطر وإنما لخطأ في حساب المناسيب، ما جعل أول الشارع وآخره مرتفعين ووسطه هابطا كالأخدود، ليصبح مجمعا للمياه، وقد يتحول إلى خطر بيئي على الساكنين.
عندما تبادل الناس التهاني بـ “التعليق”، وكأنه العنصر الوحيد الإيجابي عندما يأتي موسم الخير والمطر، صعب علي أن ألومهم فقد رأيت صور حفر الباطن وبريدة وغيرهما من المناطق التي مُطرت، فظهرت أودية ظنها الناس قد اختفت.
مخططات اعتمدت وبنيت وتحولت إلى أحياء، وهي ضمن مجرى السيل. تلكم حال أغلب مدن المملكة التي تملَّك تجارها سحر المال، اعتمدت مخططات سكنية في مواقع كانت مهالك قبل عقود فقط، لهذا طالب كثيرون بأن تكون البلديات تحت رئاسة أشخاص من أهل المكان يعرفون تاريخها وأحوالها قبل الطفرات الأخيرة.
بالأمس كان قريبي يحدثني عن دراسته في أبها في التسعينيات الهجرية. ولمن لا يعرف أبها حينئذ أقول: لقد كان يمر موسم كامل من الأمطار يدوم شهرين وأكثر دون أن يرى الناس الشمس. يروي البعض أنهم كانوا لا يستطيعون الخروج من بيوتهم لأداء أبسط الأعمال من كثافة كميات المطر. ومع ذلك كانت الدراسة مستمرة والتعليق لا يحدث بطريقة رسمية وإنما عندما تنقطع السبل في مدينة كان يتوسطها نهر جار يسمى مجازا “وادي أبها”.
أعود لقضية استعادة الوعي بجغرافية المدن والتوقف عن السماح ببيع الأراضي في بطون الأودية وما يمكن أن يتحول في وقت ما إلى مهلكة للعباد، فذلكم قد يكون جالبا لدعوة ستصيب – بلا شك – كل من يسهم في أمر كهذا.
يدفعني لهذا الطلب، ما يحدث اليوم في مدننا والتكاليف الباهظة لتصريف السيول عندما تكون البيوت وسط الأودية، إضافة إلى السماح بالتمدد الرأسي للمدن ما يسمح بتركيز الخدمات، وأمر ثالث مهم وهو ما نراه اليوم من طفرة في مشاريع النقل العام، ما يؤدي – بالطبع – إلى نشوء تجمعات سكانية قد تتحول إلى مدن ترتبط بالمدن الكبيرة بهذه الوسيلة المهمة