3666 144 055
[email protected]
أذكر أنني قرأت قصة لمالك شركة تعمل في مجال المنتجات الغذائية بالجملة تصرف بشكل مخالف لكل ملاك الشركات وقت الانكماش الاقتصادي، حيث بادر الجميع بتقليص النفقات ومن ذلك تخفيض الرواتب والمكافآت وتسريح بعض العاملين إلا هذا المالك الذي عمل العكس، حيث قابل جميع موظفيه وقال لهم نحن مقبلون على زيادة في الرواتب والمكافآت إذا استطعنا اغتنام فرصة الانكماش الاقتصادي بتحويلها من مشكلة إلى حل ومن خطر إلى فرصة، وأن ذلك يمكن إذا عملنا كفريق متفائل متكاتف ومتكامل بروح ابتكارية إبداعية.
تقول القصة بأن فريق العمل قدر موقف مالك الشركة وقراره الاستثنائي وبادروا بالبحث عن حلول ابتكارية للمحافظة على إيرادات الشركة وخرجوا بجملة من الحلول التي زادت الطلب على منتجات الشركة رغم الركود الاقتصادي فزادت الإيرادات على وقت الانتعاش واستمر حال الشركة في نمو مستقر حتى انتهت الأزمة الاقتصادية.
حل صعب وليس سهلا اتخذه مالك الشركة وهو حل مخالف للمألوف، وهو حل ينطوي على شيء كثير من المخاطرة ولكن كما يقال بالفكر الإداري الحديث “فقط أولئك الذين يخاطرون بالذهاب بعيدا جدا سيتمكنون من معرفة إلى أي مدى يمكن أن يذهبوا”، وهنا تتجلى الروح القيادية فالقادة يأخذون المخاطر ويتحملون نتائجها ويرون في عدم المخاطرة مخاطرة أشد منها، فالقادة يتحملون مسؤولياتهم ويتركون اللوم والاعتذار للغير ولا يميلون للحلول السهلة كما الحل لدى كثير من المسؤولين والمديرين.
في مقالة سلسة وسهلة وواضحة بعنوان الحلول السهلة يقول الكاتب خالد السهيل “الحلول السهلة، مغرية وتبدو ناجعة، لكنها في الحقيقة تبقى: مشكلة تم تأجيلها بحلول مؤقتة”، ومن جهتي أضيف له بل إنها قد لا تبقى كمشكلة بالحجم ذاته إذ ربما تتفاقم وتولد الكثير من المشكلات المؤلمة التي تتطلب تكاليف باهظة لمعالجتها.
يقول لي أحد الآباء وجدت الكثير من الآباء يميل للحلول السهلة في تعامله مع بناته، حيث يلجأ البعض للمنع الكامل ويذرها في بيتها ويمنعها من الخروج سوى للضرورات، بينما يلجأ البعض الآخر لترك الحبل على الغارب تماما دون أن يسأل عنها، بينما النزر القليل الذي يتحمل مسؤوليته التربوية ويلجأ للحلول الصعبة ويمنح بناته الثقة ويتعب نفسه في متابعتهن وتوجيههن بشكل دائم وكأنه المستشار الصديق التربوي الناصح ليعزز بناء شخصياتهن بالتزامن مع الحفاظ عليهن من عاديات الزمن. واليوم وبلادنا تمر بمشكلة انخفاض الإيرادات النفطية بشكل حاد دعونا نفكر جميعا كفريق عمل واحد هل يمكن أن نتجه لحلول خارجة عن المألوف تتجاوز الحلول السهلة المعتادة في حالات الركود الاقتصادي كرفع الدعم، وزيادة تكاليف الخدمات، وتخفيض الرواتب والبدلات، وإيقاف التوظيف وتسريح الموظفين، وتخفيض سعر صرف العملة، أم أننا سنتجه لحلول ابتكارية إبداعية تحشد جهود الموارد البشرية الوطنية كافة في جميع الأجهزة الحكومية والخاصة وفي مؤسسات المجتمع المدني لابتكار حلول استثنائية لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي وتنشيطه وتنمية قطاعاته كافة وخصوصا أننا بلد إسلامي يزخر بالموروث الاقتصادي الإسلامي غير المفعل مثل الزكاة والأوقاف التي يمكن أن تتراكم قوتها بمرور الوقت لتكون رافدا كبيرا للحراك الاقتصادي.
بلادنا التي تقع في موقع استراتيجي بين الشرق والغرب تزخر بالموارد البشرية الشابة المتحفزة المؤهلة محليا وخارجيا، كما تزخر بالخيرات الطبيعية كالنفط والغاز والثروات المعدنية الهائلة، كما تزخر بالحرمين الشريفين قبلة المسلمين وتنعم بشواطئ تمتد لآلاف الكيلومترات وتنعم ببنى تحتية هائلة من مدارس وجامعات ومستشفيات وطرق ومطارات، أقول أيعقل أن تعجز بلادنا بكل ذلك عن إيجاد حلول ابتكارية لتجاوز المشكلة الاقتصادية القائمة حاليا وتحويل مشكلة انخفاض أسعار النفط إلى فرصة لإيجاد حلول لاقتصاد متنام بشكل مستدام بعيدا عن إيرادات النفط؟
بكل تأكيد لن تعجز بلادنا في ظل القيادة الحكيمة عن تحقيق النجاح بالوصول إلى حلول ابتكارية ونحن كلنا ثقة بذلك.
أهمية الإبداع والابتكار أصبحت ضرورة للبقاء والنمو المستدام بالنسبة للمنشآت بجميع أنواعها وبالنسبة للدول أيضا، والإبداع بالفكر الإداري أصبح سمته الأساسية في ظل التغيرات والتطورات العلمية والتكنولوجية وخاصة ما تعلق منها بتكنولوجيا المعلومات والاتصال، والاتجاهات الاقتصادية المبنية على المعرفة الأمر الذي جعل الفكر الإداري حاليا سريع التجدد وأصبح العالم يغص بالتجارب الإدارية المميزة في مواجهة التحديات على المستوى الفردي والمؤسسي وعلى مستوى الدول أيضا. بكل تأكيد لدينا تجارب ابتكارية إبداعية في القطاعات الاقتصادية السعودية كافة وكل ما علينا رصدها وجمعها وتوثيقها وتوظيفها والاستثمار الأمثل لهذه التجارب والقائمين عليها من خلال جمعهم في منصات تفكير متعددة الصور والأشكال والمستويات للوصول لحلول اقتصادية ابتكارية نتجاوز من خلالها الظرف الاقتصادي الحالي واستثماره للوصول لحلول اقتصادية مستدامة.
بكل تأكيد لو أضفنا لهذه التجارب والنماذج الإبداعية المحلية نماذج إبداعية إقليمية وعالمية لأصبح لدينا حصيلة كبيرة من أساليب التفكير الابتكاري الإبداعي مدعومة بنماذج تطبيقية ناجحة نضيف لها من موروثنا الفكري العربي والإسلامي وهي حصيلة يمكن أن تعيد بناءنا الفكري بشكل عام لمواجهة التحديات الاقتصادية وغيرها من التحديات بكفاءة واقتدار بعيدا عن الحلول السهلة التي لا تحل المشكلات بل تؤجلها أو تفاقمها.
ختاما كلي ثقة بأننا بفضل من الله ثم جهود قيادتنا الحكيمة وتعاضد أبناء الوطن من المخلصين المبدعين أصحاب التجارب الناجحة في كل المجالات، سنتصدى لجميع التحديات الاقتصادية الحالية بحلول إبداعية تبهر الشركات الاستشارية الدولية وتتجاوز الوصفات الدولية المعتادة، وسنخرج بتجربة تنموية ملهمة ترضي أبناء الوطن وتلهم الآخرين ـــ بإذن الله.
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734