الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
رئيس تنفيذي لشركة استثمارية – دبي
ahmad_khatib@
الإعلام الاقتصادي مثله مثل أي إعلام اخر سواء كان سياسيا أو فنيا أو رياضيا في كونه يبحث عن جذب المشاهدين والمتابعين في كل الأوقات بالإضافة إلى استغلال الأحداث المهمة والكبيرة لزيادة جرعات الإثارة الجاذبة حتى لو كانت مختلقة أو مضخمة. يختلف الإعلام الاقتصادي عن الأنواع الأخرى في كونه متخصصا ولا يتعاطى مع الأمور اليومية للناس العاديين مما يجعله جافا وثقيلا للمتابع الباحث عن الأخبار أو الترفيه. على سبيل المثال، لا يمكن مقارنة أخبار تصعيد سياسي بين دولتين أو تراشق بين فنانتين بالإعلان عن نتائج شركة كبرى. الإثارة مختلفة والقدرة على فهم التفاصيل ومتابعة التطورات أسهل بكثير.
في فترات الأزمات المالية والتراجع الاقتصادي تختلف القصة، حيث تتزايد الأحداث اليومية التي يشعر بها الناس مباشرة من حولهم وبالتالي يرتفع مستوى القلق لديهم فيبدأ تقصي الأخبار والتحليلات الاقتصادية لمحاولة استشراف الوضع المستقبلي ومدى تأثير ذلك على حياة الأفراد. عندها يكون الإعلام الاقتصادي جاهزا وعلى أهبة الاستعداد لجذب المتابعين الجدد بأسلوب الإثارة التي تعودوا عليها في أنواع الإعلام الاخر.
كلامي عن غالبية الإعلام الاقتصادي وليس كله لأنه يبقى هناك منصات إعلامية محترفة وكتاب يستخدمون المنطق أكثر من الإثارة. والفرق بالنسبة لي هو التمييز بين استهداف المتابع المتخصص والاخر غير المتخصص. استهداف المتابع المتخصص لا يحتاج لاختلاق الإثارة فهو يعرف الأخبار ويمكنه فهمها وما يبحث عنه هو التحليلات التي تعطيه بعدا اخر لمعلوماته، كما أنه يعرف من أين يحصل على نوعية التحليلات التي يريدها وفي معظم الأحيان يركز عليها ولا يشتت نفسه. المتابع الاخر يسمع الكثير من الشائعات ويقلق من صحتها لأنه يخاف أن تؤثر على حياته الشخصية لذلك فهو يتجه إلى الاعلام الاقتصادي بحثا عن الحقيقة. الشخص العادي يعتبر المتخصصين في الاقتصاد المرجع الذي سيعطيه ما يبحث عنه ويطمئنه، بل ويخبره ما عليه أن يقوم به في فترة الأزمة.
ما يحصل في الواقع مختلف تماما.
بمجرد أن يتجه الشخص العادي إلى الأخبار الاقتصادية في فترة الأزمة سيصدم بالعناوين المثيرة مثل “توقعات بإفلاس شركات كبرى” أو ” الأزمة لن تنتهي قبل 5 سنوات” أو عناوين مشابهة أخرى. إذا قرأ المتخصص محتويات تلك الأخبار سيجد أنها تحليلات معقدة واراء مختلفة تعتمد على فرضيات معينة. أما الشخص العادي فإن مجرد قراءة العنوان سيزيد من مستوى القلق لديه وسيبادر إلى ترديد تلك الأخبار في المجتمع وينقل القلق إلى غيره. اذا أضفنا تأثير وسائل التواصل الاجتماعي فالنتيجة تصبح كارثية. المحطات التلفزيونية والصحف كلها لها حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي وبحثها عن المتابعين هناك يتلخص في استخدام العناوين المثيرة والمقلقة. يأتي بعدهم أصحاب الحسابات المعروفة وغير المعروفة الذين يكتبون تحليلاتهم وتوقعاتهم ونصائحهم. وأيضا تغلب الإثارة السلبية لأنها جاذبة.
كنت في حوار مع أحد الأشخاص مؤخرا وهو ليس متخصصا ولكنه كما لاحظت غارق في متابعة الإثارة الاقتصادية بشكل كبير. شرح لي كيف أن الوضع كارثي بسبب تراجع أسعار النفط وأعطاني توقعات بأعداد الناس التي ستفقد وظائفها والمؤسسات التي ستفلس قريبا. حاولت أن أشرح له أن الموضوع معقد وليس بالبساطة التي يتكلم بها فأعطاني نظرة أوحت لي بأنه يعتقد أنني لا أفهم في الاقتصاد، فتوقفت وأكملت الاستماع إلى محاضرته. في النهاية سألته عن ما ينوي القيام به بناء لتوقعاته فأجاب أنه يفكر جديا ببيع منزله وشراء الذهب لأنه الشيء الوحيد المضمون.
هناك الكثير من الحالات المشابهة ويمكن ملاحظتها بسهولة على وسائل التواصل الاجتماعي ومن صفاتها أنها أصبحت مهووسة بالإثارة الاقتصادية السلبية وتبحث عن نصائح في كل مكان وفي نفس الوقت غير مستعدة لتقبل أي نظرة إيجابية أو متفائلة. في نهاية الأزمات الاقتصادية تكون هذه الفئة أكثر من تضرر ويصعب تحديد المسؤول عن الضرر.
من جهة الإعلام، لا يمكن أن نطلب منه أن ينقل صورة إيجابية خلال مرحلة سلبية فالمطلوب دائما نقل الصورة كما هي مع عرض الاراء المختلفة. الصورة الكاملة تعني أنها بلا نقصان ولا زيادة والأهم بلا إثارة مفتعلة.
لو دققنا وحللنا حالة القلق من الأزمات وتبعاتها لوجدنا أنها قد ضخمت بشكل كبير والسبب إعلام الإثارة الاقتصادية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال