السبت, 27 أبريل 2024

الطاقة المتجددة .. رؤيتنا المستقبلية

FacebookTwitterWhatsAppTelegram

يحرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين، على أن تصبح المملكة العربية السعودية مستخدمًا للطاقة المتجددة والنظيفة بدلًا من استهلاك النفط، الذي بتصديره ترتفع إيرادات الدولة، ويمكنها من مواصلة إنفاقها على مشروعات البنية التحتية وخدمة المجتمع. وبهذا أصبح تنويع مزيج الطاقة هدفًا استراتيجيا في ظل النمو الاقتصادي والسكاني المطرد، والصناعات ذات الاستخدام الكثيف للطاقة. فبلادنا تتميز بوفرة أشعة الشمس الدائمة التي تقدر بـ 20 ألف كيلو واط لكل متر مربع سنويًا، مما يمكنها من إنتاج الطاقة الشمسية النظيفة والمتجددة للمحافظة على سلامة البيئة من التلوث، وخفض تكلفة إنتاج المياه، التي تمثل الطاقة نصف تكلفة إنتاج المتر المكعب الواحد من المياه حاليًا، وكذلك خفض التكلفة المستهدفة من مشروع الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء إلى 30 هللة تقريبا للكيلو واط في الساعة. كما أن المملكة تمتلك من المقومات الكفيلة بنجاحها في هذا المجال، بدءًا بالمدخلات مثل السيليكا والبتروكيماويات، وانتهاءً بما تمتلكه الشركات السعودية الرائدة من خبرة قوية في إنتاج أشكال الطاقة المختلفة.

لذا جاءت المبادرة الاستراتيجية للبرنامج الوطني للطاقة المتجددة، ومبادرة الملك سلمان للطاقة المتجددة، التي أطلقت في أبريل 2017 وتحت مظلة رؤية 2030، لزيادة مزيج الطاقة المتجددة من إجمالي مصادر الطاقة في المملكة إلى 3.45 جيجا واط في 2020، أو 4% من إجمالي إنتاج الطاقة، و9.5 جيجا واط بحلول العام 2023، أو 10% من إجمالي إنتاج الطاقة. كما تستهدف توطين نسبة كبيرة من سلسلة قيمة الطاقة المتجددة في اقتصادنا، وتشمل تلك السلسلة خطوات البحث والتطوير والتصنيع. كما وقع صندوق الاستثمارات العامة مذكرة تفاهم مع صندوق رؤية سوفت بنك من أجل إنشاء “خطة الطاقة الشمسية 2030” التي تعد الأكبر في العالم في مجال الطاقة الشمسية. وبموجبها سيتم تأسيس شركة جديدة لتوليد الطاقة الشمسية، وبدأ إطلاق العمل على محطتين شمسيتين بقدرة 3 جيجا واط و4.2 جيجا واط والمفترض أنها بدأت في 2019، والعمل أيضًا على تصنيع وتطوير الألواح الشمسية في السعودية لتوليد الطاقة الشمسية بقدرة 200 جيجا واط بحلول 2030م.

وهذا يؤكد على أهمية استخدام الطاقة الشمسية الذي لا بد أن يترجم فعليًا في قطاعي الكهرباء والمياه الحيويين، واللذَين يستهلكان الكثير من طاقتنا الناضبة بما يصل إلى 1.4 مليون برميل مكافئ يوميًا، وبتكلفة تتجاوز 300 مليون ريال يوميًا. كما أصبح الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة أمرًا مهمًا من أجل الاستدامة والهواء الخالي من الانبعاثات الكربونية، والذي من أهم مصادرها؛ الرياح وهي الأكثر استدامة، يليها الكهرومائية، الكهروضوئية، ثم الطاقة الحرارية الأرضية. وبدأت المملكة في تهيئة البنى التحتية وتنفيذ مشروعاتها الضخمة، لتلبية ازدياد الطلب المتسارع على الكهرباء والمياه المحلاة، حيث من المتوقع أن يتجاوز الطلب على الكهرباء 120 جيجا واط بحلول 2032 مع ارتفاع معدل النمو السكاني، ما يعزز خفض استهلاك النفط، وزيادة إيراداتها، وتحقيق منافع اقتصادية مستدامة.

اقرأ المزيد

وقد طرح مكتب تطوير مشاريع الطاقة المتجددة في 2017 المرحلة الأولى من مشاريع الطاقة المتجددة في المملكة؛ مشروع سكاكا للطاقة الشمسية الكهروضوئية، بطاقة 300 ميجا واط، وتوفر الكهرباء لـ 45 ألف منزل، وبتعرفة قياسية تبلغ 8.781 هللة / للكيلو واط ساعة، وتسهم في خفض الانبعاثات الكربونية بـ 430 ألف طن سنويًا. كما تبلغ تكلفته 300 مليون دولار، ويوفر نحو 930 فرصة عمل في مراحل الإنشاء والتشغيل والصيانة، ويُتوقَّع أن يُسهم بـ 120 مليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي. وبدأ التشغيل الفعلي لمحطة سكاكا في 25 نوفمبر 2019 وتم ربطها بشبكة الكهرباء الوطنية الرئيسية. كما تم طرح مشروع دومة الجندل لطاقة الرياح في نوفمبر 2018 لإنتاج الكهرباء باستغلال طاقة الرياح، الذي تبلغ طاقته 400 ميجا واط، ويستهدف تغذية 70 ألف منزل بالطاقة الكهربائية. وهي أول محطة لطاقة الرياح في المملكة، ويُرجَّح أن يبدأ التشغيل التجاري للمحطة مطلع العام 2022.

كما أطلق المكتب مشروعات المرحلة الثانية بسبعة مشاريع للاستثمار في الطاقة الشمسية الكهروضوئية في يناير 2019؛ مشروع القريات 200 ميجا واط، المدينة المنورة 50 ميجا واط، رفحاء 45 ميجا واط، الفيصلية 600 ميجا واط، رابغ 300 ميجا واط، جدة 300 ميجا واط، مهد الذهب 20 ميجا واط، وهذا يكفي لتوليد 1.51 جيجا واط من الطاقة، أو لـ 226,500 أسرة. وذلك دعمًا لتوجه المملكة في تنويع مصادر الطاقة، وتحقيقًا لطاقة متجددة بقدرة 9.5 جيجا واط بحلول 2023. ثم تم إطلاق المرحلة الثالثة في 14 يناير 2020 بأربعة مشاريع لإنتاج الطاقة الشمسية بطاقة إجمالية 1200 ميجا واط، وتشمل مشروع ليلى 80 ميجا واط، وادي الدواسر 120 ميجا واط، سعد 300 ميجا واط، الرس 700 ميجا واط. وهذه المشروعات ستتطلب حدًا أدنى من المحتوى المحلي بنسبة 17%. فإن جميع هذه المشروعات تهدف إلى تحقيق رؤية السعودية للطاقة المتجددة بإنتاج 58.7 جيجا واط من الطاقة المتجددة بحلول العام 2030.

وما يحدث حاليًا في مدينة نيوم الذكية والنموذجية إلا نموذج آخر لاستخدام طاقة الشمس والرياح الكهربائية، وإنتاج الهيدروجين بقيمة 5 مليارات دولار لاستخدامه في النقل، وبما يزيد على 4 جيجا واط من الطاقة الشمسية والرياح وتخزينهما. وقد وقعت وزارة الطاقة اتفاقية مذكرة تفاهم مع ألمانيا لإنتاج واستغلال الهيدروجين لدعم تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، الرامية إلى تحقيق تنمية مستدامة، والحفاظ على البيئة، ودعم الابتكار، وتعزيز نقل المعرفة، وإيجاد المزيد من الوظائف النوعية لأبناء وبنات الوطن. كما أوضح مكتب تطوير مشاريع الطاقة المتجددة في وزارة الطاقة، أن إنتاج السعودية من الطاقة المتجددة سيصل إلى 27 جيجا واط بحلول العام 2024؛ منها 20 جيجا واط طاقة شمسية و7 جيجا واط طاقة رياح، حيث إن المستهدف هو إنتاج 25 جيجا واط من الطاقة المتجددة بحلول 2030 أو ما يعادل 25% من استهلاك الكهرباء الحالي أوقات الذروة.

ونتطلع إلى استغلال المزيد من مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة (المستدامة) في مملكتنا وصولًا إلى ما تستهدفه رؤية 2030 بإنتاج 200 جيجا واط من الكهرباء الضوئية، وباستثمار 200 مليار دولار بحلول 2030، وأن يصل اعتماد إنتاج الكهرباء على الطاقة المتجددة بنسبة 50% بحلول عام 2030، ما يرفع كفاءة الطاقة ويخفض تكاليفها، و بمساهمة اقتصادية توظف الموارد المالية والبشرية نحو مستقبل أكثر ازدهارًا. كما نتطلع إلى نماذج أخرى مماثلة لنموذج نيوم للطاقة المتجددة في مملكتنا وصولًا إلى ما تستهدفه رؤية 2030. إنها طاقة المستقبل ذات المنافع الاقتصادية العديدة التي تخلق أجواء نقية، تستخدم “صنع في السعودية”، تحفز الاستثمارات المحلية والأجنبية، تخفض تكلفة فاتورة المستهلك مقارنة بمصادر الطاقة التقليدية، وتنوع خيارات توليد الطاقة المتجددة الاقتصادية من مصادر متعددة. وبهذا نتفادى أي مخاطر مستقبلية، قد تهدد مستقبل اقتصادنا في العقود المقبلة، مع تحول دول العالم من طاقة النفط والغاز إلى الطاقة النظيفة والمتجددة.

إن اتخاذ هذه الخطوات الاستباقية بتحليل الحاضر، وما ستتخلله السنوات المقبلة من متغيرات جديدة، وظروف اقتصادية متجددة، سيمكننا من تجنيب اقتصادنا أي آثار قد تمتد مضاعفاتها الاقتصادية إلى العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، فإن علينا أن نبدأ مشوارًا جديدًا من التخطيط، بتسليط الضوء على الآفاق الاقتصادية طويلة الأجل ومخاطرها، والتي سيتخللها تغيرات في القوى الاقتصادية العالمية، تتجاوز مرحلة الثورة الصناعية الرابعة، إلى مرحلة صناعية خامسة، لم تتضح معالمها بعد.

ذات صلة

المزيد