الجمعة, 26 أبريل 2024

الدورة الفائقة للسلع .. ماذا تعني وما أهم العوامل الداعمة لها وهل تؤثر على حياة المواطن؟

FacebookTwitterWhatsAppTelegram

تردد في الأسابيع الأخيرة على مسامعنا وبالعديد من الصحف والقنوات مصطلح “الدورة الفائقة للسلع”، ليس هذا وحسب بل زادت التكهنات من قبل العديد من المحللين العالميين بأن العالم مُقبل على دورة فائقة للسلع قد تمتد لعدة سنوات، فما هي الدورة الفائقة للسلع؟، ومتى كانت نشأتها؟ وكيف تحدث؟، وكيف يمكن أن تؤثر على المواطن؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه باختصار في السطور التالية:

بدايةً الدورة الفائقة للسلع تعني “استمرار عدد من السلع الأساسية في الارتفاع بشكل مستدام ولفترة طويلة، قد تمتد لسنوات” وبالتالي تدخل السلع في اتجاه صاعد أو دورة صعود طويلة، وهي تنتج وبشكل رئيسي نتيجة وجود فجوة بين محركات الطلب غير المتوقعة والمستمرة والبطء في حركة العوامل الداعمة للعرض.

ولكن هل نحن حالياً في دورة فائقة للسلع أم أنها لم تبدأ بعد؟. يرى العديد من المحللين حول العالم أن الدورة الفائقة بدأت بالفعل، وذلك مع ما شاهدناه جميعاً من ارتفاعات متواصلة للعديد من السلع الأساسية، وذلك بعد عملية التراجع الكبير الذي صاحب بدايات احتدام الاضطرابات الناتجة عن جائحة كورونا، وذلك في بداية مارس 2020، وما صاحب ذلك من صدمة (وإن كانت مؤقتة) للطلب والأسعار على إثر تلك الاضطرابات، إلا أنه وسرعان ما بدأت أسعار السلع في الارتفاعات المتتالية لتسجل في العديد منها مستويات هي الأعلى منذ سنوات، وهو ما حدث بشكل مشابه في فترة التسعينيات وفي بداية العقد الأول من القرن الحالي (2002) بعد الطلب الكبير من الصين لتنمية البنية التحتية لها، وكذلك مثل تلك التي سبقت الأزمة المالية العالمية والتي انتهت بها بعد استمرارها 12 عاماً.

اقرأ المزيد

الأسباب الداعمة للارتفاع الحالي

كان للانتعاش الاقتصادي في الصين والذي جاء أسرع من المتوقع دور رئيسي في هذه الارتفاعات، وذلك لما صاحبه من انتعاش قوي للعديد من الصناعات وبشكل متسارع، والزيادة في إنفاق الحكومة الصينية على مشروعات البنية التحتية، وهو ما أدى إلى رفع الطلب على العديد من السلع الأساسية، وخاصة المعادن مثل النحاس والألومنيوم والحديد، كذلك من الأسباب عمليات التيسير الكمي غير المسبوق، في كل أنحاء العالم، والتي كان آخرها إطلاق الولايات المتحدة يوم الخميس الماضي حزمة تحفيزية بقيمة 1.9 مليار دولار، والتي بها تكون حزم التحفيز الأمريكية فقط قد وصلت إلى حوالي 4.4 تريليون دولار أو ما يعادل تقريباً 20.9% من الناتج المحلي للدولة في 2019 والبالغ 21 تريليون دولار، ولم يكن الأمر مقتصراً على الولايات المتحدة، حيث وعلى سبيل المثال ففي السعودية أطلقت الحكومة أكثر من 150 مبادرة بحزم دعم تجاوزت الـ 180 مليار ريال، بخلاف ما تم إنفاقه على قطاع الصحة والنواحي الاجتماعية، والدعم المقدم من المملكة لمنظمة الصحة العالمية، وغير ذلك، أما العامل الثالث الذي دفع أسعار السلع إلى الارتفاع فكانت التوقعات الإيجابية لمعدلات النمو في الولايات المتحدة والعديد من الدول حول العالم، وهو ما صاحبه ارتفاع في الصرف على المشروعات وبالتالي رفع الطلب على السلع، أما العامل الرابع فكان الثورة الصناعية الخضراء الجديدة والتي أدت إلى زيادة الطلب على جميع مصادر الطاقة النظيفة، وكان بالمملكة مؤخرا أحد الدلائل على هذه الثورة، حيث قامت السعودية بتوقيع اتفاقية مع ألمانيا لإنتاج الهيدروجين باعتباره مصدراً نظيفاً للطاقة، وفي يونيو الماضي تم التوقيع على اتفاقية لبناء منشأة لإنتاج الهيدروجين في نيوم، وكل تلك المشروعات وغيرها يفاقم من الطلب على السلع الأساسية.

كيف ستنتج زيادة في الطلب بعد الجائحة؟

ربما يتساءل البعض كيف يمكن أن ينتج زيادة في الطلب ونحن لم نستفيق بعد من تأثيرات كورونا، والإجابة تكمن في الإحصاءات الصادرة حديثاً عن حجم الأموال التي قامت الأسر في الدول الكبرى بإيداعها في البنوك (زيادة عن المعتاد) والتي بلغت وخلال فترة الجائحة 2.9 تريليون دولار، أكثر من نصفها كان في أمريكا (1.5 تريليون دولار)، بينما كان نصيب الصين 430 مليار دولار، واليابان 30 مليار دولار وبريطانيا 160 مليار دولار، ومن المؤكد أن نفس الأمر كان في العديد من الدول حول العالم، حيث هذه الأموال قام أصحابها باكتنازها بسب حالة عدم اليقين المصاحبة لفترة الجائحة، وعلى سبيل المثال في السعودية وصلت ودائع البنوك بنهاية 2020 إلى 1.94 تريليون ريال وهو أعلى مستوى لها على الإطلاق، ونمت بنسبة 8.2% مقارنة بالعام 2019 وهي أعلى وتيرة نمو لها في 6 سنوات أي منذ 2014، وهذا الأموال المكتنزة لابد وأنها ستخرج للاستهلاك وربما يشير إلى ذلك في السعودية تراجع ودائع البنوك في يناير 2021 بنسبة 1.1% وهي أعلى وتيرة تراجع منذ يناير 2020، والمرة الأولى التي تتراجع فيها الودائع بعد 5 شهور متتالية من الارتفاع.

نماذج من ارتفاعات الأسعار

وكأمثلة على السلع التي سجلت ارتفاعات ضخمة خلال الفترة الماضية، فقد ارتفع مؤشر S&P GSCI الزراعي وحتى بداية مارس الجاري إلى أعلى مستوى له منذ 2014، وذكرت منظمة الأغذية والزراعة “فاو” بداية الشهر الجاري أن أسعار الأغذية العالمية ارتفعت للشهر التاسع على التوالي في فبراير 2021 لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ يوليو 2014؛ بقيادة قفزات لأسعار السكر والزيوت النباتية. وارتفعت أسعار حديد التسليح وخاماته عالمياً خلال الـ 4 أشهر الأخيرة 42%، ووصلت أسعار النحاس إلى أعلى أسعار لها منذ 2011 أي منذ حوالي 10 سنوات، وحسب تداولات يوم الجمعة يكون قد ارتفع بنسبة 83% مقارنة بأسعاره في الأول من مارس 2020. وبالطبع لا يفوتنا أسعار النفط والتي وصل سعر خام برنت إلى مستوى الـ 70 دولاراً والتي كانت الأعلى له في ما يقرب من عامين، وارتفعت أسعار النفط بأكثر من 200% مقارنة بأسعارها في الأول من مارس 2020. والألومنيوم والذي وصل لأعلى سعر له منذ منتصف 2018 أي ما يقرب من ثلاثة أعوام.

مَنْ الأكثر استفادة؟

تُعد شركات الأسمدة والمعادن الأكثر استفادة من تلك الارتفاعات، ومن الدلائل على ذلك أننا وجدنا شركات التعدين العالمية تقوم بتوزيعات أرباح قياسية نتيجة للارتفاع الكبير في أسعار المعادن، ولكن الأمر ليس على الإطلاق، حيث إن الشركات الأكثر اعتماداً على التصدير وخاصة في الدول الناشئة هي الأكثر استفادة من تلك الارتفاعات، بينما الشركات التي تعتمد على استيراد المواد الخام وتقوم فقط بتسليم المنتج في شكله النهائي ربما لن تكون مستفيدة بشكل كبير لارتفاع أسعار المواد الخام عليها، وبالتالي سيقابل ارتفاع أسعار بيع المنتج النهائي، وبالتالي فإنه كلما اقتربت الشركة في سلسلة التوريد من المادة الخام كلما ارتفعت أرباحها. وتُعد المملكة من الدول المستفيدة في كثير من الجوانب، فمن ناحية النفط ومن ناحية البتروكيماويات والأسمدة (والتي ارتفعت أسعارها بشكل ملحوظ)، خاصة وأن المملكة الدولة الأكبر في الشرق الأوسط من حيث إنتاج وتصدير البتروكيماويات، هذا بالإضافة إلى العديد المواد التي تعتمد على التصدير، خاصة بعد أن أعلنت الحكومة السعودية مؤخراً عن تحملها لرسوم التصدير، لتشجيع المصدرين وهي الخطوة التي جاءت في وقتها المناسب.

تأثيره على المواطن

عادة ما يتأثر المواطنون بالدورة الاقتصادية الفائقة وخاصة في بداياتها، حيث تشهد حالة من الارتفاع في معدلات التضخم، وهو ما ظهر في المملكة خلال يناير الماضي، حيث سجل معدل التضخم 5.7% بتأثير من قسم الأغذية والمشروبات الذي ارتفع 12.6%، وإن كان جزء كبير من تلك النسبة عائد لارتفاع ضريبة القيمة المضافة بمقدار الضعفين، ولاحظنا في أسعار الحديد على سبيل المثال أن الارتفاع في خام الحديد عالمياً 42% صاحبه ارتفاع في سعر طن حديد التسليح محلياً بنحو 23%، إلا أنه وبالرغم من ذلك فإن تثبيت العملة ساهم في التخفيف من هذا الأثر وبشكل كبير مقارنة ببعض الدول المجاورة، وبشكل عام فإن السلع التي يحتاج المصنعون إلى موادها الخام سوف تتأثر بالارتفاعات العالمية، بينما السلع المعتمدة على مواد أولية محلية لن تتأثر بشكل كبير، وهنا يظهر أهمية ما تعمل عليه الدولة منذ سنوات من دعم المحتوى المحلي في الصناعات، وبشكل عام فإن المبادرات المتتالية من الحكومة السعودية والتي تمس حياة المواطن بشكل مباشر من المفترض أن تخفف وبشكل كبير من تأثير تلك الارتفاعات.

متى بدأ المصطلح

تعود بداية مصطلح الدورات الاقتصادية الفائقة أو الطويلة إلى عالم الاقتصاد الروسي نيكولاي كوندراتيف المولود في 1892 وتم إعدامه في عهد ستالين، والذي ذكر أن “مرحلة الازدهار لا يمكن أن تزيد عن 20 عاماً، ويتبعها أزمة اقتصادية، مصحوبة بهلع عام، تؤدي إلى دخول الاقتصاد في مرحلة جمود، تستمر قرابة 20 سنة أخرى، تكون خلالها القطاعات الاقتصادية المبنية على آخر التقنيات تمر في مرحلة صعبة، وأزمات مالية تؤدي إلى فقدانها الوظائف، بشكل مستمر” كما يرى أن الاقتصاد يمر في دورات اقتصادية طويلة يتراوح طول كل منها بين 40 إلى 60 عاماً، ويتخللها دورات اقتصادية عديدة، يتذبذب فيها الاقتصاد ما بين الازدهار والركود، ويُطلق على نظريته تلك أيضاً “موجات كوندراتيف”. وبحسب أبحاث كوندراتيف أن تلك الموجات كانت خمساً، الأولى بدأت في 1800 باختراع الآلة البخارية، والثانية في 1850 باختراع القطار، والثالثة 1900 بالاكتشافات الكيميائية والكهروميكانيكية، والرابعة 1950 مع اختراع السيارات، والخامسة مع اختراع الحساب الآلي، وكل منها صاحبها ازدهار في العديد من الصناعات.

ذات صلة

المزيد